الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فلسفة الفن

فلسفة الفن
1 ابريل 2021 01:20

إعداد وترجمة: د. حورية الظل

جون هوسبرز (1918/‏‏2011) كان أستاذاً فخرياً للفلسفة بجامعة جنوب كاليفورنيا، لوس أنجلوس، وله العديد من المؤلفات، منها «مقدمة في التحليل الفلسفي»، و«قراءات تمهيدية في الجماليات»، و«فهم الفنون» وغيرها الكثير.
وفلسفة الفن، دراسة لطبيعة الفن، بما في ذلك مفاهيم، مثل التفسير والتمثيل والتعبير والشكل، ويرتبط هذا الموضوع ارتباطاً وثيقاً بعلم الجمال، والدراسة الفلسفية للجمال والذوق.

الخصائص المميزة:
تتميز فلسفة الفن عن النقد الفني الذي يهتم فقط بتحليل وتقييم أعمال فنية معينة، ولكن فيلسوف الفن يسأل عن المقصود بالقول إن العمل الفني معبر وكيف يحدد المرء ما إذا كان كذلك... ولا تتمثل مهمة فيلسوف الفن في زيادة فهم الأعمال الفنية وتقديرها، بل توفير الأسس المفاهيمية للناقد، من خلال دراسة المفاهيم الأساسية التي تكمن وراء أنشطة النقاد، وتمكينهم من التحدث والكتابة بشكل أكثر وضوحاً حول الفنون. 
على ماذا يركز فلاسفة الفن انتباههم؟ على «الفن» هو الجواب الجاهز، ولكن ما هو الفن، وما الذي يميزه عن كل الأشياء الأخرى؟ المنظرون الذين حاولوا الإجابة عن هذا السؤال كثر، وإجاباتهم تختلف اختلافاً كبيراً، ولكن هناك سمة واحدة تشترك فيها جميع الإجابات تقريباً، وتتلخص في أن العمل الفني هو شيء من صنع الإنسان، قطعة فنية، تختلف عن شيء في الطبيعة، قد يكون غروب الشمس جميلاً، ولكنه ليس عملاً فنياً، وقد تكون لقطعة الأخشاب الطافية صفات جمالية، ولكنها ليست عملاً فنياً، لأنها لم يصنعها إنسان. ومن ناحية أخرى، فإن قطعة الخشب التي تم نحتها لتبدو وكأنها خشب طاف، ليست شيئاً من الطبيعة بل من الفن، على الرغم من أن مظهر الاثنين قد يكون متماثلاً تماماً... ومع ذلك، ووفقاً لأبسط تعريف، فإن الفن هو أي شيء من صنع الإنسان، وضمن حدود هذا التعريف، ليس فقط اللوحات والمنحوتات هي ما يمكن اعتبارها فناً، ولكن أيضاً، فالمباني والأثاث والسيارات والمدن ومقالب القمامة، كلها أعمال فنية، فكل تغيير يحدثه النشاط البشري على وجه الطبيعة هو فن، سواء كان ذلك جيداً أو سيئاً، جميلاً أو قبيحاً، نافعاً أو مدمراً... وعندما يتم الحديث عن الأعمال الفنية في الحياة اليومية، فإن القصد هو الإشارة إلى تلك التي تستجيب لما هو جمالي، ومن بين الأشياء ضمن هذه الحدود الضيقة، هناك تمييز، وإن لم يكن دقيقاً، بين الفن الجميل والفن المفيد، حيث يتكون الفن التشكيلي من تلك الأعمال المصمّمَة لإنتاج استجابة جمالية أو تلك التي تعمل كأشياء ذات تقدير جمالي (مثل اللوحات والمنحوتات والقصائد والمقاطع الموسيقية)، تلك الأشياء من صنع الإنسان والتي يتم الاستمتاع بها وليست وسيلة لغرض آخر.

يحتوي الفن المفيد على بعد جمالي ونفعي: 
السيارات، أكواب الزجاج، السلال المنسوجة، مصابيح المكتب، ومجموعة من الأشياء الأخرى المصنوعة يدوياً، لها وظيفة مفيدة في المقام الأول وتم صنعها لهذا الغرض، ولها أيضاً بُعد جمالي... وبالنسبة للهندسة المعمارية، فإن العديد من المباني وظيفتها الجمالية هامشية، ولكن هناك مباني أخرى، هي في الأساس أشياء جمالية، كانت منفعتها عرضية ولم تعد موجودة (المعابد اليونانية كانت ذات يوم أماكن للعبادة، ولكن اليوم قيمتها جمالية بالكامل)... وتم أيضاً إنشاء العديد من الأعمال الرائعة في الرسم والنحت، لغرض ديني وليس لغرض جمالي، ومع ذلك، فإن الفنانين الذين أنجزوها، كانوا بلا شك خاضعين لقدراتهم الجمالية في إنشاء أعمالهم، لأنهم كانوا مثاليين للغاية كفنانين، ولكن في وقتهم لم يكن هناك مثل هذا الانضباط للجماليات التي يمكنهم من خلالها، التعبير عن أفكارهم. فاختاروا على أية حال، أن يبدعوا من خلال إنتاج أعمال جديرة بالاهتمام والتأمل. وهذا المعنى الجمالي لكلمة الفن، سواء تم تطبيقه على الفنون الجميلة أو الفن المفيد، هو الأكثر استخداماً من قبل غالبية نقاد وفلاسفة الفن اليوم. ومع ذلك، هناك نوعان من المعاني الأخرى للفن، والتي لا تزال أضيق، ولتجنب الالتباس، يجب ملاحظة طرق استخدامهما، ففي بعض الأحيان يقتصر مصطلح الفن على الفنون البصرية وحدها أو على بعض الفنون البصرية، ولكن الفن في رأي فلاسفة الفن لا يقتصر على الفن المرئي وإنما الموسيقا والدراما والشعر هي فنون أيضاً، مثل الرسم والنحت والعمارة، وفي أحيان أخرى، يُستخدم مصطلح الفن بمعنى آخر، فيشمل فقط الأعمال التي تعتبر فناً جيداً، لأنه قد يهتف المشاهدون في معرض فني، وهم يفحصون لوحة لا يحبونها، «هذا ليس فناً»! ولكن إذا كان مصطلح الفن سيُستخدم من دون تشويش، فلابد أن يكون هناك فن سيئ وكذلك فن جيد، وإذن، فإن المشاهد لا ينكر حقاً أن العمل المعني هو فن (إنه كائن من صنع الإنسان يتم تقديمه ليتم التفكير فيه من أجل ذاته).

كلمة الفن غامضة أيضاً بطريقة أخرى: 
تُستخدم أحياناً كلمة فن، لتعيين نشاط إنشاء عمل فني، كما هو الحال في شعار «الفن تعبير»، ولكنها تستخدم في الغالب لتعيين منتج تلك العملية، العمل الفني المكتمل أو القطعة الفنية نفسها، كما في الملاحظة «الفن مصدر إمتاع كبير لي». 
التعريفات التي لا حصر لها للفن، ليست تعريفات على الإطلاق، ولكنها نظريات حول طبيعة الفن، تفترض مسبقاً أن القدرة على تحديد أشياء معينة في العالم كأعمال فنية موجودة بالفعل.... «الفن هو استكشاف للواقع من خلال عرض حسي» -ولكن بأي طريقة يكون استكشافاً؟ هل الأعمال الفنية دائماً معنية بالواقع (كيف تهتم الموسيقا بالواقع مثلاً)؟ «الفن هو إعادة خلق للواقع» -ولكن هل كل فن يمكن اعتباره إعادة خلق، حتى الموسيقا؟ (يبدو من المرجح أن الموسيقا هي ابتكار شيء ما... ولكن ليست إعادة إنشاء أي شيء على الإطلاق) «الفن هو تعبير عن الشعور من خلال وسيط»، ولكن هل هو شعور يتم التعبير عنه دائماً؟... كل ما يبدو مطلوباً لتحديد شيء ما كعمل فني بالمعنى الواسع هو أنه ليس شيئاً طبيعياً ولكنه شيء صنعه أو حوّله إنسان، وكل ما هو مطلوب لتحديده على أنه فن... بالمعنى الضيق هو أنه يعمل بشكل جمالي في التجربة الإنسانية، إما كلياً (فن جميل) أو جزئياً (فن مفيد).

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©