ذهب الناخبون الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع للمرة الرابعة في سنتين، وتظل النتيجة غير حاسمة أو راجحة لحزب أو ائتلاف سياسي، فالإسرائيليون فقدوا الأغلبية بعدما فقدوا الإجماع. وأنشأت حالة الانقسام السياسي والاجتماعي مأزقاً سياسياً، بل ودستورياً كذلك، إذ يستحيل أن تتشكل حكومة من غير أغلبية نيابية، وفي الوقت نفسه يصعب وربما يتعذر على حزب سياسي أن يشكل أغلبية.
ومن الطريف أن تكون «القائمة العربية الموحدة» التي حصلت على 4 مقاعد نيابية، وهي تستند إلى جماعة إسلامية تشكلت عام 1996 وتحظى منذ ذلك العام بتأييد بين الفلسطينيين في إسرائيل، وكانت توصل إلى الكنيست في كل انتخابات نائبين على الأقل، ستكون هي المجموعة التي ترجح أي الائتلافين يمكن أن يشكل الحكومة، ائتلاف اليمين والجماعات الدينية بقيادة نتنياهو، أو ائتلاف الوسط واليسار بقيادة يائير لابيد! وهكذا تصف الصحافة الإسرائيلية عضو الكنيست الإسرائيلي منصور عباس ورئيس الكتلة العربية الموحدة بأنه صانع الملوك، بمعنى أنه سيقرر بانحيازه إلى أحد الائتلافين مَن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي القادم. لقد صار واضحاً اليوم في إسرائيل أن الكتلة العربية هي مفتاح التقدم أو الاستعصاء، فبدون الاعتراف بها وتقبّلها في الخريطة السياسية والمشاركة الكاملة، فإن إسرائيل تواجه العجز. 
لكن المشهد ليس بهذه البساطة، إذ تعارض جماعات سياسية محسوبة على الوسط السياسي أن يستند ائتلاف سياسي إلى دعم النوب العرب. وفي الحقيقة فلعل مَن يعطل الحياة السياسية في إسرائيل ويصيبها بالشلل هو يوعاز هندل وشريكه جدعو ساعر، حيث يرأس هندل كتلة «الأمل الجديد» التي حصلت على 6 مقاعد في الانتخابات الأخيرة. وفي المقابل فإن اليمين بقيادة نتنياهو يبدي مرونة وتقبلاً تجاه العرب أكثر من هندل الوسطي الليبرالي! 
عند كتابة هذا المقال، تبدي قراءة النتائج أن كلاً من الائتلافين الرئيسيين يملك الفرصة نفسها لتشكيل الحكومة، إذ يمكن لكتلة التغيير التي تعبّر عن الوسط السياسي بالتحالف مع اليسار والقائمتين العربيتين أن تجمع 65 صوتاً وتحقق شرط الأغلبية في مقاعد الكنيست. ويمكن أن تستقطب كتلة أو قائمة أخرى. وبالطبع، فإن اليمين بقيادة نتنياهو يملك الفرصة نفسها، وخاصة إذا اجتذب القائمة العربية الموحدة. 
والحال أن الانتخابات الإسرائيلية تمنح العالم دروساً مهمةً، وتصلح مختبراً لفهم الحاضر والمستقبل في العالم. ففي حالة التنوع والاختلاف التي يمضي إليها العالم، وفي صعود ورسوخ الهويات الفرعية، يواجه العالم كلُّه، وليس فقط إسرائيل، استحقاقين سياسيين واجتماعيين لم يعد ممكناً تجاوزهما أو تجاهلهما، وهما إدارة التنوع والاختلاف بأقصى درجات التقبل والتسامح، ومواجهة الأيديولوجيات والتشكلات القومية والأصولية، إذ هما اليوم العقبة الكبرى أمام التقدم السياسي والاجتماعي. فلا يمكن في ظل التنوع والاختلاف السائد، وصعود الثقافة العالمية والاعتماد المتبادل بين الأمم أن تظل الهويات والأيديولوجيات القومية والأصولية متصدِّرةً. لقد تحول التنوع والاختلاف والتسامح إلى مورد اقتصادي وسياسي تدير به الأمم شؤونها ومواردها، ويمكّنها أيضاً من المشاركة العالمية، وليس لديها سوى ذلك لوقف العنف والتطرف والكراهية، ولتسيير وتسهيل المعرفة والتجارة والتبادل الاقتصادي والتفاهم الثقافي على المستوى الداخلي للدول أو بين الأمم. 
وقد شهد العالم تجربة حية وواضحة، تجلى خلالها كيف يؤدي الواقع العالمي الجديد إلى انتشار الوباء وكيف يؤدي أيضاً إلى مواجهته، فالوباء كالعنف والإرهاب والأزمات المالية والاقتصادية.. هو من الأعراض والظواهر الحتمية للعولمة، وليس من حل في المقابل سوى التعاون العالمي والتسامح والاعتدال وتقبل التنوع والاختلاف، ليكون في مقدور الأمم جميعها أن تفعّل القاعدة الأساسية المبرِّرة لوجودها وغايتها، ألا وهي تحسين الحياة.