تشهد منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة حراكاً نشطاً وجهوداً إقليمية ودولية تسعى لوضع حد للأزمات المشتعلة فيها منذ نحو عشر سنوات، وتحديداً منذ أحداث ما يعرف باسم «الربيع العربي»، والتي دفعت ببعض دول المنطقة إلى دائرة مغلقة من الصراعات الأهلية التي هددت وحدة أراضيها، وخلفت أوضاعاً اجتماعية واقتصادية وأمنية صعبة لم تشهد مثلها من قبل.
ففي الأيام الماضية، شهدت الأزمة في ليبيا بوادر انفراج مهمة وآمال واسعة بوضع نهاية للنفق المظلم، الذي دخلت فيه عقب الإطاحة بنظام القذافي، بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة التي حظيت بثقة البرلمان، وحصلت على دعم واسع من المجتمع الدولي والقوى العربية والإقليمية، ما يمهد الطريق أمام وضع حد للأزمة التي تضرب البلاد منذ ما يزيد على عقد من الزمان.
وقد تزامنت هذه التطورات مع دعوات وضغوط، أميركية وأوروبية وعربية، لتفكيك الميليشيات المسلحة وإخراج القوات الأجنبية من البلاد، ويظل، هذا التحدي الأخير، هو العامل الأكثر أهمية لتأكيد سيادة الدولة الليبية، واستعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد، الأمر الذي يتطلب استمرار الدعم العربي والدولي لهذه الحكومة حتى تتمكن من التغلب على هذا التحدي.
وفي اليمن، ثمة تحركات تقودها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومبعوث الأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث، لإنهاء الصراع في هذا البلد وبدء مرحلة التسوية السلمية، وهي تحركات تلقى تأييداً ودعماً من قبل التحالف العربي لدعم الشرعية والحكومة اليمنية الشرعية، ولا سيما مع تأكيد المملكة العربية السعودية انفتاحها على كل الجهود الساعية لتسوية الأزمة على أساس قرارات الشرعية الدولية. لكن التحدي الأبرز أمام هذه الجهود يظل يتمثل في تعنت «الحوثيين» الذين يرفضون التجاوب مع مساعي تحقيق السلام ومبادرات وقف إطلاق النار، بل وقاموا بتصعيد هجماتهم مؤخراً على السعودية، وأطلقوا عمليات عسكرية على محافظات مأرب وتعز وحجة، مُصرين بهذا أن يكونوا ورقة بيد إيران توظفها وقت ما تشاء في أزمتها النووية، الأمر الذي يتطلب تحركاً دولياً جاداً وحقيقياً ضد هذه الجماعة.
وفي سوريا، التي أكملت هذا الشهر عشر سنوات على اندلاع الأزمة هناك، يبدو أيضاً أن هناك فرصة حقيقية للتسوية بعد أن تجاوزت الأزمة أسوأ مراحلها، مع استعادة الدولة السورية سيطرتها على معظم الأراضي في البلاد وطرد تنظيم «داعش» الإرهابي من معظم معاقله في أراضيها. لكن التحدي يظل كامناً في تدخلات بعض القوى الإقليمية السلبية، سواء كانت تدخلات عسكرية أو سياسية، بهدف تحقيق مصالح وأهداف خاصة من قبيل نشر النفوذ والهيمنة.
الخلاصة هي أن المنطقة تشهد في هذه المرحلة فرصاً حقيقة يمكن الاستفادة منها لتسوية أزماتها ووضع حد لمعاناة شعوبها، ولكن تظل هناك بعض التحديات التي تتطلب تعاوناً جاداً وحقيقياً من قبل المجتمع الدولي لمواجهتها، وتعزيز الآمال باستعادة السلام والاستقرار في هذه المنطقة التي أنهكتها الحروب والأزمات.