في كل ليلة، أستلقي على فراشي، أظل مستيقظة أتساءل: من التالي؟ أفكر في زميل لي يحرص ابنه المراهق على فحص سيارته كل صباح بحثاً عن قنابل مغناطيسية قد تكون مَخفية، وزوج يودع زوجته وهي ذاهبة إلى العمل، متسائلاً ما إن كان ذلك هو اليوم الذي ستقتل فيه وهي في طريقها إلى مقر عملها. 
لقد مر عام الآن على توقيع الولايات المتحدة اتفاقاً مع «طالبان». كان الأفغان يتوقعون السلام، لكن أحد التغيرات التي لمسوها بعد هذا الاتفاق كان تصعيداً في الاغتيالات، اغتيالات لا تتبناها في الغالب أي جهة، لكنها خلقت بيئة من الرعب والخوف. هذه الهجمات المميتة تضاعف عددها ثلاث مرات تقريباً في عام 2020 مقارنة بعام 2019، وشملت الإصابات وفاة 11 حقوقياً وإعلامياً خلال الأشهر الخمسة الماضية. وهكذا، يتم إسكات بعض من أهم مكاسب أفغانستان، أي نشطاؤها وزعماؤها المحليون وخبراؤها، في وقت تمنِّي فيه البلاد نفسها، عقب اتفاق الولايات المتحدة و«طالبان»، بانخفاض أعمال العنف وبمفاوضات بين الأفغان تشمل الجميع. 
وإذا كانت «طالبان» تنفي التورط في معظم هذه الهجمات، فإنها تستفيد من بيئة الخوف واليأس المحيطة بعملية السلام، وغياب أصوات منتقدة تطالب بسلام يشمل الجميع. والحال أنه لا بد من إنهاء عهد الإرهاب هذا الذي يعيش فيه المدنيون الأفغان حتى يتسنى بدء عملية سلام حقيقية. وبينما تنْكب الولايات المتحدة على مراجعة سياستها الأفغانية، فإنها ما زالت تمتلك النفوذ -بما في ذلك العقوبات الأممية الحالية على «طالبان»، ورغبة «طالبان» في الاعتراف والشرعية الدوليين، ووجود قوات دولية في البلاد- للدفع نحو إنهاء هذه الهجمات وتشجيع وقف لإطلاق النار وعملية سلام تشمل الجميع.
زملائي في «اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان»، التي أترأسها، يعرفون الشعور بالرعب. ففي الأشهر الـ18 الماضية، فقدنا ثلاثة من ألمع موظفينا وأكثرهم تفانياً. زملاء مثل فاطمة خليل التي كانت في بداية حياتها المهنية، وكانت مفعمة بالأمل والتصميم. كان يمكنها أن تختار حياة مريحة في الخارج، لكنها آثرت العمل من أجل حقوق الإنسان في أفغانستان. وقد قُتلت مع زميل آخر في اللجنة هو جاويد فولاد، الأب والزعيم المحلي، في هجوم مروع استهدف سيارتهما. لا أستطيع أن أكف عن التفكير في حجم الخسارة التي خلّفها موتهما، ليس بالنسبة لعائلتيهما المكلومتين فحسب، وإنما بالنسبة لديمقراطيتنا الفتية أيضاً. أو زميلنا عبد الصمد أميري الذي ترك مقتلُه فراغاً كبيراً في حماية حقوق الإنسان في إقليم غور، حيث كان يدير مكتبنا الإقليمي في سن الثامنة والعشرين فقط. كل عائلته فرّت بعد عملية قتله الوحشية، وكانت من العائلات القليلة في الإقليم التي تؤيد التعليم العالي للفتيات وعمل النساء بشكل صريح. 
لكنهم ليسوا الوحيدين الذين غادروا أفغانستان. فكل يوم أسمع عن صديق أو صحفي أو أكاديمي أو مدافع عن حقوق النساء، أو رجل أعمال آخر يغادر البلاد. مغادرة هؤلاء تخلق فراغاً سيتطلب سده جيلاً آخر. هذا بينما يشعر أولئك الذين لا يملكون إلى المغادرة سبيلاً بأنهم محكوم عليهم بالصمت بسبب الخوف، وبأنهم لا يملكون أي فرصة للتأثير على عملية السلام. 
لقد مرت سنوات منذ أن احتشد الأفغان بشكل جماعي آخر مرة، وذلك خوفاً من الهجمات الإرهابية. وعقب موجة الاغتيالات الأخيرة، أُغلق النقاش العام، حتى في الفضاء الافتراضي، لا سيما في المناطق الريفية خارج كابول، حيث تتخذ الحرب أكثر أشكالها وحشيةً. 
لقد بعث فريق الرئيس جو بايدن برسالة مفادها أنه لن يقوم بسحب آخر جنوده –وفق الاتفاق الذي عقدته الولايات المتحدة مع حركة «طالبان»– إلا إذا قلصت الحركة أعمال العنف. وهذا أمر مرحب به، لكنه ليس كافياً لأنه حتى مع انخفاض المستويات العامة للعنف، فإن الاغتيالات تُسكت الأصوات اللازمة لتشكيل ضغط من أجل السلام. 
ولا شك في أن الولايات المتحدة لا تريد لأفغانستان أن تنهار في حرب أهلية كارثية حالما تنسحب، بعد 20 عاماً من المساعدة. غير أن التركيز الضيق للاتفاق بين الولايات المتحدة و«طالبان»، تجاهلَ الاحتياجات الأوسع لعملية سلام، بما في ذلك أهمية الفضاء المدني وحماية المدنيين. ولا بد من إعادة النظر في هذه المقاربة من جديد بشكل عاجل ضمن المراجعة التي يقوم بها بايدن للسياسة الأميركية تجاه أفغانستان.
إن المشاركة العامة ليست ترفاً أو علاوة «من الجيد توافرها». ذلك أن أي عملية شاملة هي عملية تبني الزخم للسلام وتقوّي مصداقية العملية. ولهذا، فإن جلب أصوات المجتمع المدني التقليدي وغير التقليدي إلى الطاولة من مختلف أرجاء أفغانستان سيجلب شعوراً بالاستعجالية، وضغطاً من الأسفل إلى الأعلى على الأطراف كافة. 
ولا شك أن أفضل طريقة لضمان المشاركة العامة هي عبر وقف إطلاق النار. ولهذا، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها استخدام نفوذهم لدى الجانبين والمنطقة لمواصلة الدفع في اتجاه وقف فوي لإطلاق النار يخلق فرصة للانخراط الوطني. كما أن من شأن إنهاء فوري للاغتيالات، ووقف إطلاق النار، واستعادة الفضاء المدني أن يسمح بإشراك أوسع في المحادثات، ما يحيي الأمل والثقة في العملية. 
ولا شك في أن الولايات المتحدة تستطيع تشجيع «طالبان» والحكومة الأفغانية معاً على خلق هذه البيئة المواتية للسلام. وحينها سيستطيع الأفغان إعادة الأمل إلى طاولة المفاوضات. 
والمؤكد أننا لن نجد السلام في ظل الصمت والخوف.

*رئيسة اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»