بينما تتردد الولايات المتحدة في وضع اللوائح المنظمة لشركات التكنولوجيا الكبيرة، تتقدم دول أخرى بجرأة للأمام. وأحدث مثال يجسده «قانون تفاوض وسائل الإعلام» المقترح في أستراليا الذي يفترض حال تفعيله، أن يلزم «جوجل» و«فيسبوك» بدفع أموال للأنباء التي ينشرونها على الإنترنت. وإذا لم تستطع هذه المنصات والناشرون الاتفاق على سعر، يُجبرون على تحكيم ملزم لحسم النزاع. 
وردت «فيسبوك» على المقترح في الآونة الأخيرة، بمنع الإطلاع على الأنباء الأسترالية على موقعها في أي مكان في العالم وأيضاً منعت مستخدمي «فيسبوك» في أستراليا من الإطلاع على أي محتوى إخباري. وفي المقابل، أبرمت «جوجل» اتفاقاً لدفع مقابل للمحتوى من عدد من الشركات الكبيرة وتضمن هذا توقيع تعاقد مدته ثلاث سنوات مع شركة «نيوز كورب» المملوكة لروبرت ميردوخ، وهذا بعد تهديد «جوجل» بسحب محركها للبحث من البلاد. 
والموضوع يكتنفه الكثير من النزاع والأهمية. فقد أدى صعود المنصات التكنولوجية في انهيار كثير من المطبوعات المعنية بجمع الأنباء. فالمعلنون يستطيعون تخطي الصحف والمجلات والوصول إلى عدد أكبر من الناس بالإعلان على الإنترنت. والناشرون يحصلون بالفعل على نصيب من العائدات من الإعلانات التي تظهر إلى جانب المواد الإخبارية المنشورة على الإنترنت لكن شركات التكنولوجيا هي التي تضع الشروط. و«جوجل» و«فيسبوك» يشعران بالقلق من اتهامهما بأنهما يقتلان وسائل إعلام التيار الرئيسي، ولذا كافحا لتحسين صورتهما من خلال تقديم منح للمنظمات الصحفية ودعم مراكز الصحافة في الجامعات. 
لكن الحكومة الأسترالية تريد الحد من سيطرة عملاقة التكنولوجيا على صناعة الأنباء. والمصلحون حول العالم يراقبون عن كثب. وفي أوروبا، تشعر الجهات التنظيمية أيضا بالقلق من استخدام عملاقة التكنولوجيا للأنباء لكن مصلحيهم انتهوا إلى نتائج متباينة. ففي عام 2014، أقرت إسبانيا قانوناً يلزم «جوجل» بدفع مقابل للحصول على رخصة عرض روابط المواد الصحفية، لكن جوجل أغلقت حينها موقعها الذي يجمع الأنباء هناك، بشكل دائم. وسعت ألمانيا لاستخدام قانون حقوق النشر لإجبار «جوجل» على دفع مقابل للناشرين حين تضع رابطا للمواد الصحفية، لكن محكمة الاتحاد الأوروبي رفضت الخطة. لكن «جوجل» وافقت في الآونة الأخيرة على البدء بدفع مقابل لبعض الناشرين الفرنسيين والبريطانيين أيضا. 
وتشعر الشركات بقلق خاص حين يتعلق الأمر بمدفوعات تفرضها الدولة. فقد شنت «جوجل» و«فيسبوك» حملة شرسة ضد المقترح الأسترالي، مقدمةً أحياناً حججاً غير متسقة. فقللت الشركتان من شأن الدور الذي يلعبه توزيع الأنباء في نشاطها الاقتصادي واصفة إياه بأنه صغير للغاية. لكنهما أكدتا على أنهما يقدمان خدمة كبيرة بالفعل للمنظمات الإعلامية بتوجيه ملايين القراء لها. 
ووجدت الشركتان طائفة من المؤيدين منهم رئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفين رود، العضو بحزب «العمال»، الذي جادل بأن القانون الجديد سيساعد المطبوعات التي يملكها ميردوخ أكثر مما يساعد الصحافة المستقلة. والجدير بالذكر أن المطبوعات التي يملكها ميردوخ تمثل أكثر من 50% من سوق الصحف في أستراليا. وعارض القانون أيضا عالم الكمبيوتر «تيم بيرنرز-لي»، الذي يوصف عادة بأنه مبتكر الشبكة العنكبوتية. وجادل بيرنرز لي بأن السماح للمطبوعات بتقاضى أجر على حق الربط بموادها قد يجعل الإنترنت «غير عملي» بحسب تعبيره. 

لكن «براد سميث»، رئيس مايكروسوفت، أيد القانون. ولم يمر وقت كبير على تأييده القانون حتى جاءت «جوجل» إلى طاولة التفاوض ربما مخافة المنافسة المحتملة من محرك «بينج» التابع لمايكروسوفت. 
والنموذج الأسترالي التنظيمي واعد لكنه يعتمد على الشركات الضالعة في الأمر، لأن بوسع هذه الشركات دوماً الانسحاب تماماً من صناعة الأنباء، كما فعلت «فيسبوك». لكن مثل هذا القرار قد لا يكون جيداً على المدى الطويل مع سعي هذه الشركات لتحسين سمعتها السيئة المتمثلة في أن الكثير من محتواها يضر بالفعل بعملية اتخاذ القرار الديمقراطي. وتريد هذه الشركات بشدة أن تشتهر بأنها قناة لنقل المعلومات السليمة. ولن تنقذ هذه الرسوم وحدها الصحافة المحلية والمستقلة على الأرجح فيما يبدو. لكن أستراليا تعلم هذا وقامت بأكثر مما فعلت الولايات المتحدة لمساعدة هذا القطاع المتعثر. ففي عام 2020، على سبيل المثال، دعمت الحكومة الأسترالية 107 ناشرين وقناة بث بمبلغ 50 مليون دولار. ودخلت المنظمات الخيرية الأسترالية المجال وأنقذت من الانهيار «نيوزواير أستراليان أسوشيتدبرس» وهي المعادل الأسترالي لوكالة اسوشيتدبرس الأميركية. 
لكن هناك جانباً محلياً للمعركة في أستراليا. فما يجري التوصل إليه من قرارات يتوقف على ما تكرهه أكثر، «فيسبوك» أم ميردوخ؟ فمن يحتقرون إمبراطورية ميردوخ الإعلامية لنشرها عدم التسامح والتضليل المعلوماتي لا يريدون تطبيق أي قانون قد يضخ المزيد من العائدات لميردوخ. وخريطة الأنباء الأميركية أكثر تنوعا من الخريطة الأسترالية. وبعد أن أضفى المحافظون طابعاً شريراً على الصحافة في أميركا، سيكون اليمين، وليس اليسار، على الأرجح هو الأكثر معارضة فيما يبدو لتنظيم مشابه لدعم الصحف في أميركا. 
ويمكن دعم التشريعات بإجراءات أخرى تساعد المنافذ الإعلامية الأصغر أو صحافة الجودة العالية بصفة عامة. وفي الولايات المتحدة، قدمت النائب «الديمقرطية» آن كيركباتريك «قانون دعم الصحافة المحلية» الذي يقدم خصماً ضريباً للاشتراكات على الصحف المحلية. واقترحت جماعة «الصحافة الحرة»، الشعبية الناشطة غير الهادفة للربح والتي تركز على سياسة الإعلام، فرض ضريبة على الإعلانات التي تستهدف فئات خاصة على شرط ذهاب هذه الأموال لدعم الصحافة المحلية. وهناك الكثير مما يتعين القيام به على هذه الجبهة ويجب جمع ضرائب ورسوم أكثر بكثير من هذه الشركات الاحتكارية. لكن يستحسن أن تسارع فيسبوك وجوجل بتحمل نصيبها العادل من دعم الصحافة الجيدة التي تعرقلها وتتربح منها في الوقت نفسه.

أنيا شيفرين
مديرة التكنولوجيا والإعلام والاتصالات في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة كولومبيا. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»