مارس.. هذا الشهر منذ قديم الزمان يجمع المحاسن والأضداد، فاسمه من المريخ، وهو إله الحرب عند الرومان وحاميهم وناصرهم، وهو في العصور القديمة إله للعاصفة وللشمس، ثم أخيراً تحول إلى إله للزرع والنبت، لكن لماذا تجمعت فيه كل هذه الصفات التي ألصقها به البشر حسب حضاراتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم؟ لم هو دون كل هذه الشهور الذي جمع المتناقضات؟ ولماذا يجمع البشر به الأضداد؟ هذا الشهر بعد أن تحول من السلطة والحرب والقتال إلى الزرع والحصاد، تلقفته النساء، وأصبح شهراً لهن يجمع بين أول خضرة الربيع وتفتح السنابل والزهور، وأول الفرح، وموسم للكثير من الأعياد، هو شهر فيه عيد «النيروز» بكل فرحه وبهرجته وكرنفالاته وألوانه، وهو شهر الحرب أيضاً، حيث تدفع الأمهات بفلذات أكبادهن إلى ساحات الوغى، وأحياناً إلى ميادين اللاعودة، وهو نفسه الشهر الذي يكرم الأم في عيدها، حيث يضع أبناؤها المنتصرون أكاليل الغار على جبينها، في حين تبكي الأمهات الأخريات هزيمة الأبناء وانطفاءهم من أمام أعينهن!
مارس يحمل في ورقة نتيجته عيد المرأة بكل زهوها، ومساحة حبها، وحضورها الطاغي فينا، لكن هل المرأة نقيض الحرب أم هي الحرب أحياناً؟ من أجلها قامت حروب قديمة، ولأجلها تقاتل إخوان وأبناء عم، وغرباء جمعتهم العداوة والظفر بتلك المرأة بعينها، وهي نفس المرأة التي سيجمع الأهل ليقدموها كقربان للنهر أو المعبد لتنقذهم من الكوارث أو الحروب وفيضان الأنهر.
ومارس هذا العام فيه الربيع أيضاً، الذي قد يأتي بلا خضرة وبلا بشارة السنابل، وفيه تبدو أيضاً الحرب تلك التي تثقل القلب، مارسنا هذا العام آت بتلك الرجل الثقيلة التي تحفر الأرض، والتي تهشم الزرع وحشائش الخير، آت بقدم قد تحطم قلوب نساء هن زهر الحياة في عيدهن، ويثكل أمهات في عيدهن، وقد يأتي «النيروز» من دون تلك الفرحة وألوان الحياة والرضا، ففي كل بلدان العالم تسكن أشباح هذه الجائحة الجاثمة منذ سنة ونصف السنة على صدور الناس، أبوابهم ونوافذهم مغلقة في وجه الشمس والريح، ولا بشارة ببيع وشراء، والتقاء أصدقاء، لا سفر، ولا طير مهاجر، ولا أحضان ولا قبلات لمن نحب.
مارس ليتك تبقى وردة أو غصن زيتون أو إكليل غار على جبين امرأة نضمر لها كل هذا الحب والشوق وعطر الكلمات، ليتك تبقى تاجاً على رأس الأم، تلك التي لا تتعب من الحب، ليتك تنسى سيفك ودرعك وترسك ورمحك وزردك واسمك القديم.. وتقول لشعوب حنّت.. وشعوب غَنّت صباح الحرية.. صباح الربيع.. صباح الخير والسلامة، صباح من ود وورد، للمرأة والربيع وفقط، لأن لا صباح يمكن أن يكون ملوناً لحرب من دخان ورماد!