الخليج العربي شارعنا الممهد، وجسرنا القاضي للوصول وليس للتوقف، هكذا تسفر الإرادة عن ثوبها الحرير، وهكذا توضح العلاقة التاريخية التي تربط أبناء الدم الواحد والتاريخ المشترك، والثقافة المخملية التي تلف جسد الحياة وتمنحه التفرد، والاستثنائية دون الآخرين.
عند بزوغ البيان الخليجي حول الانسجام بين دول التعاون، ثارت ثائرة الآخرين، ورفعوا من عقيرة أحقادهم، وصاروا يشككون، وينتهكون العرف الإنساني، وذلك دل على أن الوحدة الخليجية هي الشريط الحدودي الذي يفصل بين الكراهية والحب، فأبناء الخليج العربي عرفوا التواصل قبل الانفصال، وفهموا الاندماج قبل الانشقاق، واستوعبوا أنهم الجسد، الذي لا يمكن أن تنهكه الرياح الطارئة، وأنهم الروح التي لها في الجسد تاريخ من التعلق بالحياة ولا مجال للغبار بأن يمنع العربة بمواصلة الطريق إلى المجد.
سمعنا الكثير من التحليلات المنبثقة من ضمير الحادبين في شعاب الكراهية، وسمعنا الكثير من اللغط، والشطط، وانحطاط الفكر لدى بعض المشككين، ولكن كل هذا لا يعدو أكثر من زبد البحر، ولا أكثر من سعار الكائنات البغيضة، والتي لا يحلو لها العيش إلا في مستنقعات الموت، وضحالة العيش.
الخليج العربي سيظل موئلاً للسحابات الممطرة، وسيظل موطنا للألفة، وأن ما يحدث من تشققات في القماشة ليس أكثر من زوبعة في فنجان، ونفخة حميمية واحدة تستطيع أن تطفئ ما يجول في هذا الفنجان، لأن الحب وحده الأكسير، وهو ترياق التضميد، وتعاضد أعضاء الجسد الواحد لروغ حقن الزيف التي يثيرها الكارهون، والحاقدون، وأصحاب الأنا المتضخمة، والذات المعزولة عن الأحلام الزاهية.
السلام النفسي الذي يفتقده الآخرون، فإن مياه الخليج كافية لأن تزخ القلوب برمق الحياة وان تمنح الأرواح أجنحة التحليق في فضاءات الوئام، وأن تهب الأشقاء أرواحاً برائحة سفن السفر، وسوف نعبر، إن شاء الله، ونمر رغماً عن كيد الكائدين، وسوف تصبح السماء صافية ما دامت القلوب نقية من الشوائب، وهذا تعبير عن إرادة واعية، وأخلاق الذين جلابيبهم من بياض الموجة، وعطرهم من أنفاس التاريخ الذي يجمع الكل في بوتقة الحب، والألفة، وقد عرفنا قيمة وحدة أبناء التاريخ الواحد، من تلك النزعات الشريرة المستنفرة من قبل الذين لا يسعدهم أبداً جروح الأخوة، ولا يريحهم اقتراب اليد باليد بين من تجمعهم الجغرافيا، والتاريخ، وعبق النوق، وبريق عيون الجياد الذاهبة دوماً إلى الأفق بحثاً عن مواطن التفوق على الكبوات.