في الوقت الذي كانت فيه التوقعات تشير إلى أن ميليشيات «الحوثي» ستتوقف عن سلوكها العدواني في أعقاب إعلان إدارة بايدن في 16 فبراير الماضي رفعها من قوائم الإرهاب التي أدرجها فيها سلفه دونالد ترامب، إلا أنها خلافاً لذلك صعدت من هجماتها الإرهابية التي استهدفت المدنيين العزل في الداخل، والعديد من الأهداف المدنية في المملكة العربية السعودية، فضلاً عن تهديدها المستمر لحركة التجارة العالمية في الممرات المائية والبحرية القريبة منها في تطور لا يمكن فصله بأي حال عن الأزمة بين واشنطن وطهران سواء على خلفية جدل المفاوضات حول الاتفاق النووي أو الغارة الجوية التي استهدفت «ميليشيات مدعومة من إيران» في سوريا قبل أيام. 
لا جدال في أن ميليشيات الحوثي تعد أهم أذرع إيران العسكرية في المنطقة، والتي توظفها كأحد أدوات إدارة الصراعات المتورطة فيها، وخوض حرب بالنيابة عنها، وليس أدل على هذا من أن الأسلحة التي تستخدمها في شن هجماتها الإرهابية تتسم بالنوعية والتقنية العالية، والتي لا يمكن لجماعة «بدائية» مثلها أن تحصل عليها أو تطورها – كما تزعم هي –، وهي أسلحة تشير العديد من التقارير الأممية إلى أن مصدرها إيران، وكان آخرها التقرير الذي قدمته لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن في نهاية يناير الماضي، وأكد تورط العديد من الأفراد والكيانات الإيرانية في إرسال أسلحة وقطع أسلحة للحوثيين في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة.
خطورة التصعيد «الحوثي» الذي بدا واضحاً خلال الأيام الماضية لا ينذر فقط بتفجير الأوضاع في المنطقة، كونه يرتبط بأجندة إيران وصراعاتها الإقليمية الأخرى، وإنما أيضاً لأنه يعد نتيجة للارتباك الأميركي الواضح في التعامل مع هذه الميليشيات التي تثبت يوماً بعد الآخر أنها تشكل تهديداً رئيسياً للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي على حد سواء، وأنها باتت إحدى الأوراق التي تبعث من خلالها إيران رسائل إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بوجه عام بأنها هي وحدها من يستطيع تهدئة الأوضاع في المنطقة، ودعم جهود تسوية الأزمات المختلفة سواء في اليمن أو في سوريا. 
لقد سقط رهان إدارة بايدن على ميليشيات «الحوثي» خلال الأيام الماضية، باعتبارها جماعة مسؤولة يمكن أن تنخرط في جهود تسوية الأزمة اليمنية، وتأكد للجميع أنها ليست سوى ورقة ضمن أوراق التفاوض الإيرانية، يتم توظيفها تارة في إفشال أي اختراق حقيقي في هذه الأزمة، وتارة أخرى في تهديد حركة الملاحة في المضايق البحرية المهمة، ولعل ما يشجعها على التمادي في هذا السلوك هو غياب الاستراتيجية الأميركية الواضحة في التعامل معها، والتي تجعلها تتصرف وكأنها في مأمن من العقاب، رغم اعترافها الواضح والصريح بارتكابها جرائم حرب ضد المدنيين.