أيها الأصدقاء الذين غبتم بمشيئة القدر، لكنكم لم تغيبوا من القلب والذاكرة، فقد تركتم دمعة في العين لا تجف، وحسرة ممتدة في القلب، كانت لعينيكم حين كنتم تزورونني في وحشة المرقاب، دهشة الحياة وبهاؤها، الدهشة المكتنزة بهمس الوجود بمساءات الحنين، كطمأنينة الأصداف حين تخبئ لؤلؤها الثمين في عمق البحر خشية جور الصيد في ذلك الزمن البعيد، حين كان الغوص لالتقاط اللؤلؤ من عمق البحار في الخليج حرفة يعتاش بها الغواصون وثروة لأولياء الأمر، عيناكم كانت تبصران عميقاً في مرايا الخديعة، في التهاويل، في لجة الدم. 
وفي العتمة الخرساء كانت تريان المرئي واللامرئي، اليقظة والغفلة، السياج والزهرة المنسية خلف السياج، لغط الفرح وعويل السياط!، هل مضى بكم القدر إلى عتمته، وأغلق عليكم نبض الحياة؟، ها أنا أراكم تنسلون كشعاع عصي ناشراً هزائم الاستبداد في ضحى أحلامكم الوضيء، مباغتاً ذهولهم، خارقاً يبزغ من ظلامهم كي تضيئون الدروب لنا، نحن الذين علا الغبار مرايانا وحاصرنا الوباء كالرماد، يا للذين أسلمنا لهم مفاتيح أحلامنا فسكنوا في يقين بارد واستراحوا إلى جدار يتبعون ظلاله، وحدكم هشمتم مراياهم كي يروا خديعتهم مضاعفة ويقينهم يتشظى!، لا مطر يهطل على الصلصال كي ينبتنا، لا غيمة تمر على سماء بيتي كي أستظل بها، فمن يدلني علي؟ هل جئتم كي نهتدي ؟ ربما مادت بنا الطرقات والظلال ونما على أرواحنا زغب الخنوع، ربما صرنا كيقطينة تدلق أحشاءها وتحشى بما تبتغيه الموائد وما يشتهيه المحتفلون، ربما صرنا إلى طبول ترجع صدى الطرق على أجسادنا المنكسرة، فيما يهتف العنف بانتصاراته!، ربما صرنا إلى شجر في العواصف أو نخلاً لزينة الطرقات.
يا أيها المستنيرون، حين أسمع هتافكم العميق أرفع رأسي المنحنية، ويقف البذخ كغصة في حلقي، لكني بفيض صداقتكم وودكم أشرق بالأمل، كنتم تهشمون بإبداعكم أحلامنا التي كانت كالسراب، وضلالنا الذي كان كشظايا صلصال بين يديكم، وكنتم تصوغون آمالنا كما تشتهي الأنهار، كنتم تأخذون نطفة الأحلام وترسمونها في إبداعكم كما نشتهي، كنتم تأخذون رماد أجسادنا وتعجنون به ذهبنا الموعود، خذوا غيمة الروح في دفء قبوركم واهطلوا بها علينا!، تعب الطريق من وهن أقدامنا، تعب الضياء من هول عتمتنا، تعب المساء من غول وحشتنا، تعب الصباح من شكنا فيه، تعب الصدى من رجع ماضينا، تعبت أمانينا من قيد أيدينا!.. رحمكم الله يا أصدقائي الغائبين في القبور، والحاضرين أبداً في القلب والذاكرة!