لم تكن الوحدة السورية المصرية عام 1958 أول اتحاد بين سوريا ومصر، ففي مراحل عديدة من التاريخ القديم كان البلدان دولة واحدة، وقد تجلت هذه الوحدة مع بدء العصر الإسلامي، وقويت مكانتها حين ظهرت دولة بني أمية وامتدت شرقاً وغرباً، وقد تفككت هذه الدولة الموحدة في العصر العباسي، لكن القادة الكبار عبر التاريخ كانوا يحرصون دائماً على ضم مصر وسوريا في إطار دولة واحدة، كما فعل صلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس، وحتى محمد علي باشا الذي ضم إليه سوريا بضع سنين في العهد العثماني، وكان السوريون والمصريون يعتبرون سوريا ومصر جناحي الأمة التي لن تتمكن من التحليق ما لم يلتئما.
ولسوء الحظ أخفقت كل تجارب ودعوات الوحدة العربية التي كانت هاجس العرب على مدى عقود القرن العشرين، فلم تنجح معاهدة الأخوة والتعاون بين العراق والأردن عام 1947 ولم تجد دعوات ناظم القدسي عام 1951 لإقامة اتحاد الدول العربية استجابة وكان يومها رئيساً لوزراء سوريا، وأخفقت الاتفاقيات التي عقدت بين مصر والسودان عام 1952، وبين مصر والسعودية عام 1955، كما أخفقت اتفاقية التضامن العربي بين الأردن والسعودية والعراق، ولم تكد الوحدة السورية المصرية عام 1958 تكمل عامها الثالث حتى حدث الانفصال.
ولم تتوقف دعوات الوحدة في الستينيات، وتتالت ظاهرة اتفاقيات الدفاع المشترك، وكان من أهمها اتفاقية بين مصر والأردن عام 1967، ثم ظهر بيان اتحاد الجمهوريات العربية عام 1971 وقد أعلنه حافظ الأسد وأنور السادات ومعمر القذافي، كما ظهر بيان اتحاد مصر والسودان وليبيا، والاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن، والاتحاد المغاربي بين دول الخمس في شمال أفريقيا.. ولم يتحقق شيء عملي من هذا كله، بل إن تجربة الجامعة العربية ذاتها بدت مهددة بالقطيعة والجمود خلال عقود.
كانت البارقة الإيجابية الوحدية التي حققت نجاحاً منقطع النظير هي اتحاد الإمارات العربية الذي أعلن عنه في 2 ديسمبر 1971 وقد أتاح له الصمود والاستمرار والتطور إخلاص القادة الذين كانوا صادقين فيما دعوا إليه، وحرصهم على بناء دولة قوية متينة، وتوجههم لتنمية شعبهم. ثم كانت البارقة الثانية إنشاء مجلس التعاون الخليجي الذي أعلن عنه في 25 مايو عام 1981، وقد تمكن هذا المجلس من تجاوز الكثير من العقبات التي واجهته، ومن الارتقاء فوق الخلافات. وقد جاءت قمة العلا في السعودية مؤخراً، لتؤكد صلابة هذا المجلس والإصرار على جعله قوة إقليمية عربية تتجاوز في مسؤولياتها قضايا الخليج العربي، وتدافع عن قضايا الأمة كلها.
ولئن كانت دعوات الوحدة السابقة قد اهتمت بالجوانب السياسية وحدها، فإن عقد الثمانينيات تنبه إلى ضرورة الاهتمام بالجوانب الاقتصادية وإبراز مصالح الشعوب، ولكن التجارب الجديدة لم تحقق نجاحاً رغم إنشاء مجلس التعاون العربي بين مصر والأردن والعراق واليمن عام 1989، وكذلك إنشاء اتحاد المغرب العربي بين تونس والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا، بل إن معاهدة الأخوة والتنسيق بين لبنان وسوريا عام 1991 انتهت إلى خصام نكد.
ومع تأمل ما وصل إليه الحال العربي، صار بوسعنا على الأقل أن نشيد بحضور الهاجس الوحدوي في عقود القرن العشرين، وقد انتهى حضور هذا الهدف العربي إلى بحث جاد عن الحد الأدنى من التضامن العربي، وبات هذا الحد المهيض هدفاً عزيزاً أمام حالة التشظي التي تعيشها الأمة، لاسيما بعد فواجع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
لقد انهارت بنى عديدة من النظام العربي الإقليمي، ولم يعد بناؤها المستجد سهلاً لأن القضايا العربية الكبرى لم تعد بيد العرب. حالة ضعف النظام العربي من داخله تهدد المستقبل العربي، ولابد من الاهتمام بإيجاد مشروع عربي يوحد طاقات الأمة، ويبحث عن مساحات التوافق الكبرى بينها وأهمها المصير العربي المشترك.

*وزير الثقافة السوري السابق