ليس كل ما يقال في منتديات الحوار، وقد صارت في أكثر الأزمنة انفتاحاً لتكنولوجيا الاتصال، بعدد حبات الرمل، كلاماً ينتفع به الناس، وليس كل ما يرمى به جزافاً في موائد التحليل المنتشرة كالجراد، نقداً يقوم على الدعامات الفكرية المتينة.
لسنا وحدنا من ينبث عندهم النقد مثل الطحالب، فلا يجلب إلى الغثاء الذي لا ينفع الناس، وفي أوروبا يرمى كلام على عواهنه، ونستقبل من البدع النقدية ما يصيب بالفزع، وكان من بين ما راج في الصحافة الإنجليزية مؤخراً، أن مانشستر سيتي الذي يلمع اليوم مثل الذهب في الدوري الإنجليزي بل وفي كوكب كرة القدم، اشترى النجاح، إحالة على ما صرفه «السماوي» خلال السنوات الخمس الأخيرة في سوق الانتدابات.
طبعاً ما عرفت يوماً ولا عرفت الإنسانية حتى منذ غابر الأزمان سلعة تباع وتشترى اسمها النجاح، ولو كانت هناك سلعة تعرض على الأسواق اسمها النجاح، فحتما كانت ستنفذ قبل أن ينفذ الريق في الحناجر دهشة من هذا الذي يقال. 
والذين يوهمون أنفسهم قبل الآخرين، من الصحفيين الإنجليز الذين أعجزهم ربط النجاحات المدوية لـ «السماوي» بالرؤية الثاقبة والإدارة الحكيمة والتدبير الاحترافي الذي لا يترك شاردة ولا واردة إلا وأحصاها، أن «المان سيتي» ابتاع نجاحاته بالمال، فأنا أتمنى عليهم أن يدلونا على السوق الذي يباع فيه هذا النجاح، لأن برشلونة يتمناه والريال يحلم به والمان يونايتد يذكره في يقظته ومنامه.
طبعاً ما كان ممكناً أن يطيل بيب جوارديولا السكوت على هذا المنكر اللفظي، ولا أن يصرف نظره عن مثل هذه السفاهات التي تخرج من الأفواه المصدومة بالبريق الجميل الذي يحدثه السيتي في «البريميرليج»، فقد خرج الفيلسوف ليقول للمتشدقين من الصحفيين الإنجليز، إن صرف الأموال على الانتدابات ليس حكراً على المان سيتي، فكل أندية العالم تصرف المال، وأحياناً بنسب فلكية، من أجل أن يكون لها أفضل اللاعبين، ولكن هل كلها نجحت في تحقيق الألقاب؟ بالطبع لا.
لو كان النجاح يشترى بالمال، لاشترى كل فريق فلسفة كروية كالتي أبدعها بيب جوارديولا، فقادت كل الأندية التي تعاقب عليها إلى تحقيق الألقاب، فما هو برأيي أكبر وأغنى بكثير من اللاعبين أنفسهم، منظومة اللعب التي تستطيع أن تجعل من اللاعبين من ذوي المهارات الفردية العالية، كتلة جماعية تستحوذ على الأرقام والإحصائيات وتصنع النجاح. 
ما يقود إلى النجاح الجماعي لأي فريق هو فكر وعبقرية مدرب، فلو اجتمع 11 ميسي لفريق، فلا شيء على الإطلاق يضمن تحقيق النجاح والظفر بالألقاب، ولكن إن كان لك مدرب بنبوغ ورقي بيب جوارديولا، فثق من أنك ستنجح، هذا ما لم يره بعض الصحفيين الإنجليز، أو عميت عيونهم عنه.