من المنظور الخارجي للمنطقة، فإن السمة الأعم لصراعاتها، تبدو إما ذات خلفية دينية، تاريخية، عرقية، أو طائفية. إلا أن هامش الهوية الطائفية سياسياً، أنتج ما تصالح الجميع على القبول بجغرافيته السياسية، أو كما عبر عنه الدبلوماسي الأميركي جون بولتون في إحدى مقالاته «سُنّي ستان»، كأحد حلول إنهاء الصراع في سوريا، عبر تقسيمها بين الطوائف والأعراق.
الدولة الطائفية هي النموذج الذي قدمته الثورة الإيرانية، والذي افترض الجميع أنه المدخل الواقعي للتصالح مع تاريخ هذه المنطقة، بل وشمل ذلك التصالح القبول باستحقاقات المظلومية الشيعية من منظور الثورة. والثابت الوحيد منذ ذلك، هو اتساع هامش الهويات الطائفية والعرقية على حساب الهويات الوطنية، مما عمق من حالة عدم الاستقرار واستدامة النماذج الفاشلة للدول. 
تعطل مشاريع الدول الوطنية، كان المحرك الرئيس لمشروع «الشرق الأوسط الجديد»، ويجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا، إنْ أردنا الاستدلال لمسار تاريخي وحقيقي. النموذج الآخر والذي تم تبنيه من قبل أصحاب مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، هو تيار أصولي مماثل من حيث القيم والأهداف للنموذج الذي قدمته الثورة الإيرانية، فهو طائفي بامتياز، ومتوافق معها من حيث استحقاقات مظلوميته التاريخية. ويتوافق الاثنان مع أصحاب المشروع على عدم القبول باستمرار الجغرافيا السياسية القائمة للشرق الأوسط.
لذلك وفّر غياب مشاريع الدول الوطنية المَكينة، المناخ الطبيعي لتَغوّلِ الهويات الفرعية «الطائفية» على حساب الوطنية، نتيجة فشل تلك الدول في التنمية واستشراف المستقبل، وكان غالبيتها أوتوقراطي.
إن أردنا تحصين الجغرافيا الوطنية، فيجب أن يستند ذلك على هوية وطنية لا تقبل القسمة على غيرها الفرعي، بما في ذلك الطائفية. كذلك يجب أن نعي أن النموذج القيادي الذي تقدمه بعض الدول الخليجية، وعلى راسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، هو الأمثل من حيث قابلية الاستدامة والنمو، ذلك بالإضافة لقدرته على تمثيل مصالحة القومية والدفاع عنها.
الدول ذات المصالح الكبرى في المنطقة، ترى أن الجغرافيا السياسية على أساس طائفي قبل العرقي والديني هو ضمانة الاستقرار المستدام. وحجم جغرافيا الدول الفاشلة سياسياً نتيجة تسلط الحلول الطائفية على الوطنية، يبشر باستدامة فشلها.
المواثيق الإبراهيمية تتجاوز أبعادها السياسية، وتقدم لنا نموذجاً مكانياً قادراً على التصالح مع التاريخ بأدوات وإرادة المستقبل. ورغم كل ما قدّم هذا النموذج، فإن هذا المسار تعتريه تحديات، إلا أنه الأمثل والممكن البناء عليه من قبل جميع شعوب المنطقة.
* كاتب بحريني