حتى وقبل أن يدلف إلى البيت الأبيض، كان التساؤل المثير والخطير على الألسنة:«هل سيقع بايدن في جب الإسلام السياسي السحيق، ومن خلال جماعة الإخوان المسلمين الموسومة والموصومة بالإرهاب عربياً وأممياً؟». علامة الاستفهام المتقدمة تتصاعد يوماً تلو الآخر، والجميع يتوقع أن يفسح «بايدن» مساحات في عقله وقلبه من جديد، لتلك الجماعة التي تلوثت أياديها بالدماء. بايدن، ومن أسف شديد مدفوع من قبل تيار أميركي مناصر للجماعة «الإخوانية»، لا يزال قابعاً في حنايا وثنايا وزارة الخارجية الأميركية، وقد عاصر الرجل سنوات إدارتي أوباما، الرئيس الذي وقع «شيكات على بياض»، لذلك الفصيل الدوجمائي بمسحته القاتلة. خطيئة أميركا المميتة منذ آيزنهاور إلى بايدن، هي أنها فتحت أبواب اللعب على المتناقضات مع الشيوعية تحديداً، بمغازلة الأصولية الإسلاموية، ذات الفكر الأممي الساعي لتصدير ثورتها الفكرية إلى العالم، والوصول إلى مرحلة الأستاذية العالمية، ما يجعل منها صنواً لجماعات سرية أخرى لا تغيب عن أعين القارئ المحقق والمدقق. يوماً تلو الآخر تسارع (واشنطن-بايدن)، إلى فتح نوافذ جديدة على تيار ثبت بالتجربة عدم ولاءه لأي أحد إلا لنفسه، وإن اختار ثوب التقية ليتدثر به مقدماً نفسه للآخرين على أنه ضحية الأنظمة الشمولية، فيما الحقيقة التي أثبتتها الأيام، أنه فصيل مرائي، يتلاعب بمفاهيم ومنطلقات الدمقرطة، إلى أن يقدر له الوثوب إلى السلطة، ثم يقزف سلم الديمقراطية إلى أبعد نقطة، كي لا يصل إليه أحد من بعدها، أي ديمقراطية المرة الواحدة.
الأيام القليلة الماضية ارتفع صوت الباحث الإسرائيلي والخبير في الشؤون الأميركية «يورام إيتنغر»، منذراً ومحذراً إدارة بايدن وفريق عمله من الانفتاح مجدداً على جماعة «الإخوان»، وقد اعتبر الرجل أن هناك من الحقائق الأساسية ما يغيب عن أعين واشنطن في ظل الرئيس «الديمقراطي»، وفي المقدمة فكرة مركزية جماعة «الإخوان»، والتي هي كغيرها من الأيديولوجيات الشمولية السلطوية، والمناهضة للعقلانية، بل والتي تشكل تحدياً أيديولوجياً عميقاً للمفهوم الغربي الحديث للدولة العقلانية ومبادئها الأساسية.
لا يعرف أحد حتى الساعة ما السر أو الداعي وراء اندفاع إدارة بايدن للارتماء في أحضان «الإخوان» من جهة، أو اتاحة الفرصة لإيران لتستمر في غيها السادر، وتوفير فرصة ذهبية لحيازتها سلاحاً نووياً، مهما قيل خلاف ذلك.
الناظر إلى واشنطن اليوم، وقبل أن تنقضي المائة يوم الأولى من رئاسة بايدن، يكاد يجزم بأن مأساة «أسرة البربون» الفرنسية الشهيرة تتكرر من جديد، ذلك ان إدارات واشنطن لم تتذكر تاريخها مع «الإخوان»، ولا تعلمت من تجاربها سيئة الذكر، ويكفي القول إن كافة الجماعات «الجهادية» و«القاعدية»، وكل التيارات الدموية قد خرجت من عباءتها، وها هي تقترب من مائة عام منذ تأسست في نهاية عشرينيات القرن الماضي. الحقيقة التي لا مراء فيها، هي أن «الإخوان» وبقية فصائل الإسلام السياسي، قد فقدت الأمل في نجاح تجربتهم في العالم العربي، ويبدو أن أوروبا استيقظت لهم، ولو متأخراً، ولم يتبق أمامهم سوى الولايات المتحدة الأميركية الغافلة عن رؤيتهم التي يسعون إليها عبر تسخر آليات الحرية الغربية، لتكون خنجراً في خاصرة الأميركيين قبل غيرهم.
فريق بايدن على مقربة شديدة جداً من ترديد الأسطوانة المشروخة.. الإرهاب الإسلاموي مدفوع بشكل عام باليأس والبؤس، ومن غير قراءة محققة ومدققة لتاريخ «الإخوان» العنيف، وسياساتهم الإقصائية الفوقية، البعيدة عن الحريات والديمقراطية.
* كاتب مصري