لا أنكر أنني من أول مباراة شاهدتها لعمر عبدالرحمن مع نادي العين، فتنت بملكاته الفنية وقدرته الكبيرة على إبداع لمحات كروية تنم عن ذكاء وموهبة، وقلت لمن رافقوني خلال تلك المشاهدة إن هذا الفتى يشبه الشلال الذي يغمرنا بالمياه المنعشة، كل لمسة منه يشع منها ضوء الموهبة براقاً، وكل ومضة منه تغسل العيون بماء البهجة رقراقاً.
كان عمر عبدالرحمن يوم شاهدته لأول مرة شامخاً بأدائه، حتى إن كان ما يقدمه على أرضية الملعب لا يقاس أبداً بعمره الصغير، ولا حتى بعوده الطري.
داخل العين احتمى عمر عبد الرحمن بقلاع صلبة، تحصن بهوية البنفسج وتعطر بنسائم البطل، فعبر سريعاً مدائن الدهشة، وبات في زمن قياسي معلمة فنية في ساحة الإبداع الكروي العيناوي، ويوم جاء إلى «الأبيض» عارضاً سحره الكروي، نجح عموري في أن يصبح الملهم الأول إلى جانب قرين المتعة إسماعيل مطر، بل أصبح للخليج ذاك الفارس الجميل الذي انتظرته المنطقة، حتى إن الزملاء والمحللين أجمعوا على تسميته بمارادونا الخليج.
ولكم تمنيت بعد الذي شاع بيننا من سحر عمر عبد الرحمن، بعد أن طاف سريعاً بمدن الإبداع، وقطف في زمن قياسي العديد من الألقاب، أن ييمن الفتى أشرعته نحو أوروبا، فيكون المستقر نادياً أوروبياً يعرض مساحة الإبداع لدى عموري، ويكتشف ما ظل مجهولاً في جغرافية السحر، بل ويجعله يرفع سقف الطموح إلى أبعد نقطة ممكنة، فلا إشباع ولا انطواء.
وأنا أتنقل بين السير الذاتية لعديد الفلتات الكروية التي عرفتها دول الخليج العربي، وأجمع كلنا على أنها لا تقل في مخزونها الإبداعي، وفي طاقات الخلق عن لاعبين كثر توافدوا على أوروبا من قارات أخرى، وجدت أن جل هذه الفلتات تعرضت لما يشبه التأميم، اعتبرت ثروة وطنية غير قابلة للتصدير، وكانت النتيجة أن هؤلاء انتهوا من حيث بدأ غيرهم، رضوا بمشوار كروي صغير جداً، وتواروا كلياً عن الأنظار وخسرناهم نحن قبل أن يخسروا أنفسهم.
بالقطع لا أتمنى أن يكون عموري، وهو يوقع بخط اليد على وصل الانفصال عن الجزيرة التي جاء إليها مؤملاً في مسار كروي متجدد، ليدخل عرين شباب الأهلي، قد كتب على السريع خاتمة لمشواره الكروي، وهو في سن التاسعة والعشرين، إلا أنني ما زلت عند حسرتي الأولى من أن عموري لم تسعفه لا السياقات ولا الظروف لينتقل للعب بأوروبا، كما أنني موقن تمام اليقين من أن مارادونا الخليج كان سيكون برصيد كروي أغنى بكثير من هذا الذي يتوفر عليه اليوم، لو أنه استجاب لنداء أي من الأندية الأوروبية التي آمنت بقدراته الرهيبة، ورأت أن له وعاءً سحرياً يستطيع أن يبهر به العالم.