وأنت تمسك بالشعاع المنسدل من بين أضلاع الشامخات، الراسخات عند ساعات المساء، هناك الخيوط الذهبية تتوارى تحت جفنيك كأنها الأحلام، والشارع مثل سجادة تاريخية يسترخي على الأديم كأنه كائن عملاق من زمن الأساطير الخلابة، وأيام البلاغة في كتابة القصص الخيالية.
في لحظة مفاجئة تأتيك دبي كأنها الحلم، كأنها الزهرة بين طيات بساتين الفرح، كأنها العين المجردة من الغبش، تأتيك وأنت في حالة الغبش، أنت في لحظة الخدر، في رشفة اليقين، أنت في يقظة الحقيقة، تأتيك وقد كنت في الطريق إليها تهتف بقلب أمسكت به اللهفة كأنها المباغتة، وصرت أنت الدنف تسعى إليها كمن يهم بالاحتفاء بالورطة اللذيذة، بالوثبة المرعشة، بالغطسة في أعمار بحيرة النشوة، هنا أنت الآن، تحتسي الجمال كما أنك تتذوق شهد اللمظة الأولى، كما أنك تتنشق العطر الأول، من بين أصابع صبوتك، كما أنك تلمس اللدانة من تحت شرشف الدفء، وهكذا أنت في دبي الأشياء تبدو لك كأنها العشق الأول، كأنها الرجفة الأولى كأنها الهمسة في مسامع عاشقة للكلمات، وغرامها لا تطفئه إلا قصيدة من فرائد امرئ القيس، أو فداحة الألم اللذيذ في شعر عنترة بن شداد.
عندما تتسرب بين شرايين الشوارع تشعر وكأنك تلوب في التضاريس العذرية، كأنك تدور في حلقة محيطها من ذهب البحار الفيروزية، وكأنك في هذه اللحظة تولد من جديد، وتزخر بأعشاب، وورود، تبدو أزهى من الأقمار الليلية، تبدو أنت مثل فراشة تبحث عن ملاذها في الأسفار الأبدية، تبدو أنت مثل فكرة في أذهان الجياد الأزلية، ويبدو العالم في عينيك، قماشة من حرير، مطرزة بفصوص ليس لها هوية إلا في دبي الجدلية، تفكر في نهارك، قبل السفر، فيأتي الليل كأنه قطار المستحيل، يضيئك، بألوان الفساتين، والوجوه، والابتسامات، ويمنحك رحلة بهية في ميادين الفرح، تشعر أنك في المدينة المقدسة، تشعر أنك في الطهر تتلو مشاعر من دون أفكار مسبقة، تبدو أنت حزمة من مشاعر، كأنها الطفولة، تترعرع عند شغاف دبي وتتطور نسلاً من عفوية، وبراءة الأمنيات، تشعر أنك في نهر المجازفات، عبارة تلمع بالمعنى وتتشظى وعداً بأيام أجمل، وأكمل وأكثر أصالة، لأن في دبي كل شيء يبدو مثل أجنحة الطير، تغسله النسائم عندما يلمسه الغبار.