نادراً ما يتفق معظم الناس في العالم على شيء. لكن الاتفاق واسع الآن على أن 2020 كان عاماً عصيباً اشتدت فيه المعاناة جراء جائحة كورونا التي أحدثت خسائر كبيرة بشرية واقتصادية واجتماعية، وغيَّرت أنماط الحياة على نحو أنه خلق شوقاً عارماً للعودة إلى الأوضاع الطبيعية.
غير أنه في هذا العام نفسه حدث تقدم كبير في مجالات عدة مرتبطة بالعلم والمعرفة، مثل ارتياد الفضاء الذي حققت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة إنجازاً تاريخياً، عبر إطلاق «مسبار الأمل» في يوليو 2020 إلى المريخ، ووصوله إلى وجهته قبل أيام قليلة. وكان إطلاق هذا المسبار في عام المعاناة تحدياً عظيماً حوَّل حلماً عربياً إلى واقع، ودشَّن مرحلة جديدة في مسيرة العلم والمعرفة، سعياً إلى تعويض تأخر العرب فيها، وتأكيداً لقدرتهم على أن يكونوا جزءاً فاعلاً في منظومتها على المستوى العالمي، وإلهاماً لشبابهم في لحظة تشتد الحاجة فيها إلى وضع حد لانغماس غير قليل منهم في الماضي، وحفزهم على التطلع إلى مستقبل يؤكد الإنجاز الإماراتي أنه مفتوح أمام مَن يتطلعون إليه.
ومن المجالات المُهمة التي حدث فيها تقدم أيضاً خلال عام 2020، العلوم الطبية التي شهدت نقلةً كبيرةً. فقد خلقت الجائحة تحدياً غير مسبوق للعلماء والخبراء في مجالات الفيروسات واللقاحات والمناعة والأمراض المُعدية والبيولوجيا التطورية، للإسراع بكشف خبايا فيروس جديد شرس، وابتكار وسائل لمواجهته. وقد حققت جهود بعضهم نجاحاً فاق أكثر التوقعات تفاؤلاً، إذ أثمر تطوير عدد من اللقاحات الواقية من هذا الفيروس بسرعة غير مسبوقة، وبُدئ في تصنيع بعضها واستخدامها قبل نهاية العام.
بدا هذا الإنجاز في البداية بعيد المنال، واستسلم كُثُر لاعتقاد شاع في أنه ضرب من الخيال، لأن التجارب اللازمة لتطوير لقاح جديد تستغرق سنوات عدة في المعتاد. لكن ما كان حلماً صار واقعاً خلال أقل من عام واحد، فيما بدا أنها مِنحة تولد من رحم مِحنة جائحة كورونا. 
ويحمل هذا الإنجاز في طياته بداية ما يمكن أن نعده ثورة كبرى في العلوم الطبية، بعد النجاح في تطوير لقاحات باستخدام تقنية جديدة تعتمد على ما يُعرف بالحمض النووي الريبي (mRNA)، الذي أصبح جزءاً من المعرفة العامة، بعد أن كان اسمه مجهولاً لغير المتخصصين قبل أشهر قليلة. ورغم أن اللقاحات التي طُورت وفق هذه التقنية تعتمد على مواد جينية، فهي لا يمكنها تغيير جينات البشر بخلاف ادعاءات لا ترتكز على أدلة علمية، وتبدو أقرب ما تكون إلى خرافات.
ولا يقلل هذا أهميةَ الإنجاز الكبير الذي حققه مُطورو لقاحات أخرى أيضاً. لكن تطوير لقاحات اعتماداً علي الحمض النووي الريبي ينطوي على أهمية خاصة، لأنه سيُحدث نقلة نوعية في العلوم الطبية عموماً، ومن ثم في حالة الصحة العامة وحياة الإنسان في أنحاء العالم. فقد أصبح ممكناً استخدام هذه التقنية لابتكار أدوية شافية من أمراض لا تزال مستعصية على العلاج، وليس لتطوير لقاحات واقية فقط، تأسيساً على النجاح في الاستفادة من جزء حيوي يؤدي أدواراً بالغة الأهمية في تحفيز كثير من التفاعلات الكيميائية في جسم الإنسان، ويدخل في عملية تصنيع البروتين داخل الخلية.
وعلى سبيل المثال، ستُتيح التقنية المعتمدة على الحمض النووي الريبي تطوير أدوية شافية من الأورام السرطانية التي تبقى هي الأكثر خطراً على حياة البشر في هذا العصر. وربما يُسجّل التاريخ أن جائحة كورونا، رغم كل مآسيها، حفّزت تقدماً علمياً سيساهم في شفاء ملايين البشر من أورام سرطانية. فقد كانت معالجة هذه الأورام الهدف الأساسي للأبحاث الأولى التي أُجريت لاستكشاف إمكانات استخدام تقنية الحمض النووي الريبي في الطب قبل الجائحة. وقد بادرت شركة «بيونتيك» الألمانية إلى تحويل مسار أبحاثها في هذا المجال صوب السعي إلى استكشاف إمكانات تطوير لقاح واق من فيروس كورونا. وفي الوقت نفسه كانت شركة مودرنا الأميركية قد أجرت أبحاثاً قبيل الجائحة في استخدام التقنية نفسها بحكم تخصصها الأساسي في البيولوجيا الحيوية. ومن هنا، بدأت قصة النجاح في استخدام تلك التقنية.
وليست هذه إلا الخطوة الأولى لثورة طبية قد لا يقل أثرها في حياة البشر عن ثورة تقنيات الاتصال، لأن التقنية المعتمدة عليها قابلة للاستخدام على أوسع نطاق بمقدار ما يتوفر من تمويل للأبحاث المتعلقة بها.