كما هو الحال في اتفاقيات السلام، يجب أن تكون الصفقات التجارية مصحوبة بحسن النية المنوطة بتنفيذها. بعد أسابيع فقط من دخول اتفاقية التجارة الخاصة ببريكست حيز التنفيذ، شككت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في النوايا بشأن جزء من الاتفاق والذي ينطبق على إيرلندا الشمالية. مرة أخرى، تتوقف العلاقة بين الجانبين على حل الخلافات حول التجارة عبر الحدود الإيرلندية.
وباختصار، تدعي المملكة المتحدة أن القواعد التجارية الجديدة لإيرلندا الشمالية لا تعمل، لكن الاتحاد الأوروبي يقول إن الصفقة صفقة ويجب على بريطانيا الوفاء بالتزاماتها بموجب المعاهدة. وقد التقى وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني «مايكل جوف» ومفوض الاتحاد الأوروبي «ماروس سيفكوفيتش» الأسبوع الماضي لتخفيف التوترات والعمل نحو التوصل لحل. وإذا انهار التعاون بين الجانبين، فسيؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار إيرلندا الشمالية وسيعوق قدرة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على حل القضايا الخلافية التي تم استبعادها من صفقة بريكست، من الخدمات المالية إلى صادرات المحار إلى رحلات الموسيقيين.
وقد أثار الاتحاد الأوروبي هذا الخلاف قبل أسبوعين عندما أطلق المادة 16 من بروتوكول إيرلندا الشمالية، وهو إجراء وقائي يبطل فعلياً ترتيب الحدود المفتوحة في إيرلندا. تم ذلك كجزء من محاولة لمنع تصدير لقاحات «كوفيد-19» خارج الاتحاد. وسرعان ما اعتذرت المفوضية الأوروبية وتراجعت عن الإجراء، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل.
وكان الحفاظ على حدود مفتوحة بين إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي وإيرلندا الشمالية - والذي من شأنه أن يحافظ على إنجاز رئيسي لاتفاقية الجمعة العظيمة لعام 1998 التي أعادت السلام - شرطاً لا غنى عنه لمحادثات الطلاق العسيرة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكان أيضاً بمثابة الورقة الرابحة للاتحاد الأوروبي في المفاوضات: الحدود المفتوحة تعني أن المملكة المتحدة يجب عليها إما البقاء في الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي (وهو أمر ينقض الصفقة بالنسبة لمؤيدي بريكست الذين يريدون حرية إبرام صفقات تجارية مستقلة) أو وضع حدود في البحر الإيرلندي، وهو ما وقّع عليه بوريس جونسون في النهاية بالموافقة على البروتوكول.
لقد قوضت عثرة لقاح الاتحاد الأوروبي الثقة (لم تتم استشارة إيرلندا ولا بريطانيا) وبدا أنها تؤكد شكوك مؤيدي الاتحاد ومؤيدي بريكست من أن الكتلة استخدمت قضية الحدود فقط للضغط. لقد أعطت المملكة المتحدة فرصة للتفاوض بشأن المزيد من التنازلات من الاتحاد الأوروبي. وفي رسالة إلى سيفكوفيتش الأسبوع الماضي، طالب جوف بعدد من التمديدات والاستثناءات للصفقة، بما في ذلك تصدير منتجات اللحوم المبردة إلى إيرلندا الشمالية.
وقدم سيفكوفيتش، في رده، بعض التخفيف من حصص واردات الصلب إلى إيرلندا الشمالية، لكنه رفض المطالب التي تتعلق بتعديل الاتفاقية. كما حذر من أن بريطانيا لا تفي بالتزاماتها بموجب البروتوكول، مشيراً إلى أن مراكز مراقبة الحدود في إيرلندا الشمالية لا تعمل بشكل كامل، وأن عمليات التفتيش المتفق عليها لا يتم إجراؤها.
واتفق جوف وسيفكوفيتش على أن تجتمع اللجنة المشتركة المكلفة بتنفيذ البروتوكول بحلول 24 فبراير لتوفير «التوجيه السياسي اللازم». وسيكون هذا أول اختبار كبير لهذه الهيئة الجديدة، والتي سيتعين عليها حل العديد من القضايا في المستقبل. وكالعادة، فإن السياسة هي ما يعقّد الأمور.
في إيرلندا الشمالية، هناك إحباطات من التغييرات التي أحدثتها اتفاقية بريكست، خاصة غضب المزارعين الذين اكتشفوا أنهم لا يستطيعون شراء بعض النباتات التي تزرع في بريطانيا بسبب قواعد الاتحاد الأوروبي. ولم يساعد أن جونسون كان ينفي دائماً أن البروتوكول سيعني زيادة الشيكات والأوراق والقيود الجديدة. واستغلت «أرلين فوستر» -زعيمة الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي فرض «فدية» على حكومة تيريزا ماي لمدة عامين- الخلاف للقول إنه يجب إلغاء البروتوكول بالكامل. وفي غضون ذلك، هناك ضغوط على جانب الاتحاد الأوروبي لعدم تغيير الاتفاقية والامتناع عن السماح بأي استثناءات من شأنها أن تعرض السوق الموحدة للخطر.
وإذا لم يكن الأمر واضحاً بالفعل، فلا يزال هناك الكثير من القلق بشأن الطلاق بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. لقد أصبحت المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي، لكن هذه العلاقة كانت عميقة وواسعة للغاية، والترتيبات التجارية الجديدة مليئة بالثغرات ومفخخة ببنود للمراجعة، لدرجة أن الأمر سيستغرق سنوات للعثور على وضع طبيعي جديد. وفي هذه المرحلة الوسطى، فإن المواقف تهم. وستحدد القيادة على الجانبين والعلاقات الشخصية (مثل العلاقة بين جوف وسيفكوفيتش) ما إذا كانت الخلافات ستتصاعد أم سيتم حلها.
والحقيقة هي أنه لا يوجد بديل لبروتوكول إيرلندا الشمالية في الوقت الحالي، لكن مع توفر حسن النية يمكن تحسين البروتوكول لحماية ما كان منذ فترة طويلة سلاماً هشاً في إيرلندا الشمالية.
وإذا لم يتم حل التوترات، فستؤثر على المناقشات حول الخدمات المالية وغيرها من مجالات التجارة الثنائية. وستوفر الانتخابات في إيرلندا الشمالية العام المقبل والتصويت في عام 2024 على البروتوكول نفسه فرصة للناخبين في إيرلندا الشمالية وهي الاختبار الأول لنظام ما بعد بريكست.


ينشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»