كانت مدينة حَلبْجَة، قبل أنْ تصبح محافظة (2013)، مركزاً للحركة الإسلاميَّة الكرديَّة، فمن على أرضها انطلق النشاط الإسلامي السياسي بزعامة الملا عثمان عبد العزيز، بفتوى لطلاب الدراسة الدِّينية بالهجرة (1987) إلى حَلبجة، فظهر تنظيم «الحركة الإسلاميّة في كوردستان العِراق»، ومنها الذراع العسكري للحركة «جيش القرآن»، بعد تحول تنظيم «حركة الرَّابطة الإسلاميَّة» مع «جيش القرآن» إلى زعامة الملا عثمان، وبويع على الجهاد، وهذا ما تبسطنا به في «100 عام مِن الإسلام السياسي بالعراق/ج2). 
وتكاد تكون حلبجة وتوابعها بؤرة النَّشاط الإسلامي السياسي الكردستاني، فإضافةً إلى المركز ظهرت تنظيمات بنواحيها: خورمال وبيارة وكولب، مع أن منطقة بيارة ذات نشاط صوفي، لا يقر بالعمل السياسي. امتازت الحركة الإسلامية الكردية بكثرة الانشقاقات، وبظهور جماعات متطرفة، فصارت المراقد الصوفيَّة هدفَها، ومن الحركة مَن شاركوا في حرب أفغانستان. 
كانت البداية بتأثير تنظيم «الإخوان المسلمين» ببغداد والموصل، لكن لم يظهر النشاط بجماعات جهادية وتنظيمات متعددة إلا بعد الثورة الإيرانية، وزاد انتعاش تلك الحركة في ظل الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). ومعلوم أن مدينة حَلبجة تقع في أقصى الشمال الشرقي مِن العراق، على الحدود الإيرانية، وقد احتلها الجيش الإيراني، وضُربت بالسلاح الكيمياوي، فتبادل الطرفان التُّهم، فزادت نكبتها مِن قوة الإسلاميين، والكوارث تدفع إلى الاحتماء بالتدين، وتلك إحدى مشجعات الصَّحوات الدينية. عندما وصلناها (2000) لم نر فيها غير وجه الموت، فآثاره حينها لا زالت بائنة. 
بعد تمركز الحركة الإسلامية فيها، أخذت سياسة المدينة تتصرف كأنها إمارة، وليست جزءاً مِن السليمانية التي يغلب عليها الطابع المدني، ولا مِن إقليم كردستان ككل. صحيح أن العراق بالكامل، وبغداد عاصمته في المقدمة، تخضع للمزاج الإسلامي السياسي، لكن حتى المدن الدينية لم تستطع إصدار قوانين لفرض الأسلمة، فممارسة محافظ بغداد، العضو في «الدعوة الإسلامي»، بتحجيب الأطفال من اليتيمات، بعنوان «سن التكليف»، لاقت الرفض، لأن المحافظ المذكور كان راعياً لحسينية، فأراد إدارة بغداد بتقاليدها. 
غير أن ما حدث بحلبجة (12/2/2021)، وعُرف بـ«التَّاج الذهبي»، اعتُبر أمراً عادياً في إدارة المحافظة، فتم الإعلان عن تحجيب (1357) فتاة بقماش أخضر، حتى ظهرن كلواء عسكري يستعد للتحرك الجهادي. يجري الحديث هذه المرة عن دعم «إخواني» لاستغلال البؤرة الإسلامية بحلبجة، فغدت المدينة إمارةً شأنها شأن قندهار، تكرس التطرف. 
كان مشهد صفوف الفتيات لافتاً للنظر، إنه تنظيم حزبي، يُقرَن بـ«الجوّالة» الإخوانيَّة، فلم يبق لهذه المنطقة ما كانت تشتهر به مِن بساتين الرّمان، بقدر ما تشتهر بالعمل الإسلامي السياسي الذي يُغامَر بأهلها في الجهاد تحت «جيش القرآن»، و«جند الإسلام». فمناعة حلبجة الطَّبيعية، لا تقل عن مناعة مناطق «طالبان» و«القاعدة» بأفغانستان، وهي تقع بين الجبال والوديان، تناسب بيئتُها انطلاقَ الحركات المتطرفة، فـ«التاج الذهبي» إنما هو تدين سياسي، وهذه جيوشه. احذروها، إنها «إمارة إسلامية»، و«قيراط وقاية خير مِن قنطار علاج». فبعد ما تعرضت له حَلبجة مِن موجعات، ليس بمقدورها تحمل ما تحملته «أبوت آباد» حيث مقتل ابن لادن (2011)، وهي مفتوحة على شرق وشمال يحكمهما الإسلام السياسي، وكلاهما يتغنى بـ«تاجها الذَّهبي»! احذروها، ولمجد الدِّين النَّشابي (ت 657 هجرية): «مِن قبل واقعةٍ شنعاءَ مظلمةٍ/ يشيبُ مِن هولها طفلٌ وأكبادُ» (الحوادث الجامعة). لا تنقص العراقَ فِرق موت وأحزمة ناسفة!