لقد بات صون المجتمعات ضرورة متكاملة ومتحدة الأطراف، ومتشعبة المجالات، إذ إن الحماية الصحية باتت نتيجة لا بد من دعم إرهاصاتها بحماية فكرية، وتسليح ثقافي معرفي، وبناء أخلاقي. 
وهذا ما واجهته بعض أفراد المجتمعات من الوقوع ضحية «النقص الحاد في جرعات اللقاح»، أو في شِباك «عصابات» اللقاح، وبخاصة في ظل عدم اطلاع، وإحاطة كافة الأفراد على المعلومات المتعلقة باللقاح، فعندما تقدم -على سبيل المثال - شركة موديرنا الأميركية بتصريحها الذي يفيد امتناعها عن بيع اللقاح لأي جهة باستثناء حكومات الدول بشكل مباشر، ونشر المعلومات الكافية التوعوية حول شروط تخزينه الصعبة، يصبح من الصعب السماح بتجاوز الجهات المعتمدة لتوزيعه، أو الثقة في أي طرف دخيل. 
كما أن تحدي الحصول على اللقاح، نبع في بعض الأحيان من شركات إنتاجه نفسها، والظروف التي نقلت توترها للقاحات ذاتها، وذلك ضمن ما سمي بـ«حرب اللقاحات» الذي نشب بين شركات تصنيع اللقاح، بسبب تأخر «فايزر» و«أسترازينيكا» في توريد الكميات المأمول إنتاجها، والتي وصلت بالاتحاد الأوروبي، لاستعداده استخدام الوسائل الشرعية الممكنة، بغية عرقلة تصدير لقاح «فايزر»، إلى بريطانيا، كرد صريح على قرار الشركة البريطانية السويدية «أسترازينيكا»، بتأخير توريدات لقاحها للاتحاد الأوروبي، مع توفير اللقاح الكافي لها. 
وفي ظل كافة التداخلات التي قد تشتت من التركيز على أداء المهمة الرئيسية بتوزيع اللقاح العادل في العالم، فيبدو أن الإشكالات الرئيسة تتمركز حول أربعة جذور رئيسية، أولها متمثلاً بإلزامية التطعيم وفرضه في المدارس أو على الأفراد، وفي الوقت ذاته القدرة على التصدي لكافة الصور المغلوطة، ورواسب القناعات الثقافية أو الدينية عند البعض.
ومن ناحية ثانية، لا بد من توفير الأبحاث والدراسات الكافية، والمتناغمة مع تدافع أحداث الفيروس، وتوضيح كافة التفاصيل والنقاط التي تشكل استثارات فكرية، والتي إنْ لم يتم احتواؤها تصبح مركزاً لإصدار الإشاعات، وتعزيز المغلوطات. وأما في ثالث تلك المرتكزات، فإن الموافقة المنشودة من أفراد المجتمعات على اللقاح، هي موافقة قناعة وثقة، وفي ذات الوقت توضيح واستيعاب لكافة الأفراد وتساؤلاتهم. وآخر تلك المرتكزات التي تشكل عقبة، وأهمها هي إمكانية توفير اللقاحات وتوزيعها بشكل عادل بين الأفراد، من دون تمييز على أساس الطبقة أو العرق أو التواجد الجغرافي، وهذا ما أكدته كلية أطباء فيلادلفيا، في سياق حديثها عن أبرز الإشكاليات الأخلاقية، التي تحيط بعملية التطعيم، وخطط توفير المناعة المضادة للفيروس للمجتمعات العامة. 
هذا اللقاح الذي يحتاج لإمكانات وظروف خاصة لتخزينه ونقله، كلقاح «فايزر» الواجب إبقاؤه في درجة حرارة منخفضة تصل إلى 70 تحت الصفر مئوية، يعتبر حاجة ملحة في عالم متباين الكفاءة، والقوى، والكوادر، وحتى الوعي، فكيف سيكون تخطي هذا الكم من الاختلافات، والوصول لتوزيع عادل للقاح كورونا؟ وهل سيكون «إطار القيم» الصادر عن منظمة الصحّة العالمية مؤخراً كافياً لتحقيق ذلك؟ 

اعتمدت منظمة الصحة العالمية العديد من المبادئ العامة التي لا بد من وضعها في اعتبارها خلال مرحلة توزيع اللقاحات، والتي تتضمن حماية الرفاه البشري، واحترام المساواة بين البشر، وتحقيق الانصاف في الاستفادة من اللقاحات على الصعيد العالمي وعلى الصعيد الوطني، ورد الجميل للأفراد والمجموعات التي أسهمت في مواجهة الوباء، مثل الأطقم الطبية والعمال الأساسيين.
وفي هذا السياق، فإنه لعظيم الاحترام والتقدير لكافة الدول التي ترفعت على حاجاتها المادية، وأولت الإنسان مايستحقه من صونٍ لكرامته الإنسانية، وجعلت من الإجراءات الأخلاقية سُلّماً للإجراءات الاحترازية في ملف إداراتها للجائحة، ساميةً على كافة السقطات التي تكشفت في العالم من ضعف إداري أو مؤسسي، أو عمليات ابتزاز واستغلال، امتدت منذ البداية من قطعة القطن الزرقاء التي تخفي ورائها مصير إنسان «الكمامة» أو «القناع»، وصلاً لذلك اللقاح الصغير الحجم، الذي يتلهف معظم أفراد المجتمعات لنيل فرصتهم من خلاله بصون أنفسهم، ومجتمعهم، وإعادة الألوان الطبيعية للحياة القاتمة بوجود الوباء المشتسرس.