‏تتجذر فينا المحبة كما هي القصيدة الراسخة في جنون الشعراء، كما هي الكلمة الشامخة في وجود الحالمين بعبارة شيقة تتفتح لها أزهار القلب، وتنمو على ضفافها ‏أعشاب الروح.
في هذا البلد تتسامى الأشجار، وهي تضع الثمرات على أغصانها، ‏وهي تلون أوراقها بالأخضر، وهي ترشف العذوبة من صميم الجداول الشجية.
في ‏هذا البلد تكبر الأحلام، وتتفرع، وتزهر، وتثمر، وتفيض وجداً بالنجوم وهي تغدق السماء ‏بوجوه تشع بالنور، في هذا البلد تصبح كل القلوب أنهاراً، وتصير الأرواح أجنحة، والعيون ‏أقماراً، والوجوه قارات تشع بالعفوية، في هذا البلد تتسع حدقة الطموحات بحيث تصبح ‏محيطات بالغة الاتساع، تصبح قارات ترسم على تضاريسها أمنيات الناس الوارفين ‏بالأمل، والغارفين من نبوع الفرح كل ما يفتح نافذة على الوجود، وكل ما يشرع باباً ‏باتجاه الحياة، وكل ما ينشر شراعاً لأجل السفر.
هذا الوطن في رحلة دائمة، وسفر ‏طويل، إنه وطن الانبلاجات الواسعة لأنه منذ فجر التاريخ وهو يضمخ ملابسه بعطر ‏الأعياد العظمى، ومنذ زمن طويل وهو يعانق شجرة العشق بقلب دافئ، ومفعم بحرقة ‏اللقاءات الحميمة، لذلك أصبح اليوم هو موطن الطيور، وهو موئل الأفئدة المغتربة، هو ‏منزل الصبوات، ونخوة العارفين بأسرار الحب، ومدى عرفانيته، عندما تلتقي فيه الأرواح ‏لأجل إرواء الشجرة، وأجل منح الطير مكاناً لعشه، ولأجل أن تصبح الأثمار منارات حلم‏ قيثارة أغنيات، ودوزنة لدورة حياة لا تكف عن النبض، لأن الناس هنا جبلوا على تسلق ‏موجات البحر، والصعود على الكثيب بقلوب لا ترتجف، وجفون لا ترف فزعاً، إنها القصة ‏غير المروية لوطن شفه الوجد عشقاً للحياة، فصارت سفينة ترقب الموجة كي تمتطي صهوتها، وساعداً يتهجى ملوحة الماء كي يرتشف من عرق البحر ما يشفي، وما يجلي، ‏هذا هو وطننا، وهذه هي الإمارات، تبدو في الحياة تيمة، وحرزاً، تبدو وعداً كونياً يحيط ‏بالأرواح فيمنحها التحليق، ويطوق الرؤوس فيهبها السموق، ويخيط قماشة الأمل في ‏أقصى حالات التعب، ويمضي في القافلة إلى حيث ربوة العشب القشيب، يمضي، ‏ويمضي، وسنام النوق يروي العشاق من ذخيرة فطرته، ويمضي الوطن، ورغاء الإبل ‏بوحاً معرفياً يقود إلى ملامسة أنف الصحراء، وتقبيل وجنتها، بكل تسامٍ، وعفوية.
إنه ‏الإصرار على التحدي، وإنه المكوث دوماً في مقدمة الصفوف، إنه كل هذا لأن الوطن ‏آمن بأن الحياة جسر للوصول، وليس مكاناً للتوقف.