اختُتمت محاكمة عزل دونالد ترامب الثانية في مجلس الشيوخ الأميركي يوم السبت 13 فبراير الجاري. 57 سيناتوراً وجدوا أن الرئيس السابق مذنب، أي أقل بـ10 أصوات فقط من أغلبية الـ67 صوتاً اللازمة التي ينص عليها الدستور من أجل إدانته. ونتيجة لذلك، برِّئ ترامب من جديد. غير أن العديد من «الجمهوريين»، بمن فيهم أولئك الذين صوّتوا لصالح تبرئته في المحاكمة لأسباب تقنية في الغالب، مقتنعون بأنه متورط في تنظيم تمرد على مقر الكونجرس الأميركي يوم السادس من يناير الماضي. ومن بين أشد منتقدي الرئيس السابق هناك زعيم الأقلية «الجمهورية» في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل، الذي ندّد بترامب حينما انتهت المحاكمة وبعد أن صوّت لصالح تبرئته. وفي هذا الصدد، قال ماكونل إن مقتحمي الكونجرس «كان يلقَمون الأكاذيب من قبل أقوى رجل في العالم، لأنه كان غاضباً بسبب خسارته في الانتخابات». وأضاف يقول: «إن أفعاله التي سبقت أعمال الشغب تمثل إهمالاً مخزياً للواجب.. وترامب مسؤول عملياً ومعنوياً عن التسبب في أحداث ذلك اليوم». 
ترامب كان صامتاً نسبياً منذ أن غادر واشنطن في 20 يناير إلى ناديه في بالم بيتش (بولاية فلوريدا)، لكنه سيظل عنصراً مهماً في سياسة «الجمهوريين»، وذلك على اعتبار أن أغلبية من قاعدة الحزب ما زالت تعتبره زعيماً لها. وسيتمثل أحد أدواره في دعم المرشحين الجمهوريين المتنافسين على عضوية مجلس الشيوخ ومجلس النواب في انتخابات عام 2022 النصفية، وسيركز على أولئك الذين دعموه خلال محاكمة عزله والمستعدين لتحدي أولئك الذين صوّتوا ضده. 
التكهنات تذهب إلى أن ترامب لن يفكر في الترشح للرئاسة مرة أخرى في عام 2024. فسجلّه خلال ولايته الأولى، وخاصة طريقة تعاطيه مع وباء «كوفيد-19»، وهي طريقة تميزت بالإهمال الواضح، وكذلك سلوكه بعد خسارته الانتخابات في نوفمبر 2020.. كل ذلك يجعله غير مقبول من قبل بعض القيادات الجمهورية. ولهذا السبب، أوضح عدد من الجمهوريين أنهم مهتمون بأن يقع عليهم اختيار الحزب للترشح لانتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2024. ومن هؤلاء سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وأعضاء مجلس الشيوخ تد كروس، وتوم كوتون، وجوش هولي. لكن السؤال الذي ليست لديه إجابة حتى الآن هو ما إن كان مايك بنس، نائب الرئيس السابق المخلص أبداً لترامب، سينضم إلى هذه القائمة؟ 
الحزب الجمهوري يوجد في حالة اضطراب عقب خسارة البيت الأبيض أمام جو بايدن وخسارة السيطرة على مجلس الشيوخ الأميركي، غير أن مسألة ما إن كانت هذه الانقسامات ستعني تآكلاً لنفوذ أنصار ترامب في نهاية المطاف، فذلك يتوقف على نجاح إدارة بايدن في معالجة التحديين الرئيسيين اللذين يواجهان البلاد: السيطرة على وباء «كوفيد-19» وإعادة النمو إلى الاقتصاد. 
يبدو بايدن سائراً نحو بداية جيدة. ذلك أن ثمة انخفاضاً مهماً في عدد الحالات الجديدة للأشخاص المصابين بالفيروس، وتراجعاً في عدد الوفيات اليومية، إضافة إلى أن الناس يتلقون اللقاح بشكل يومي بأعداد أكبر مما كان يُعتقد أنه ممكن. وفضلاً عن ذلك، هناك تشريع جديد لتوفير إغاثة مالية أكبر من المرجح أن يعتمده الكونجرس خلال الأسابيع المقبلة. كما أن بايدن تحاشى بشكل متعمد أي مبادرات مثيرة للجدل في السياسة الخارجية. وحتى الآن، وافق مجلس الشيوخ الأميركي على كل تعييناته لمناصب عليا في إدارته. 
إن التكهنات بشأن العملية السياسية الأميركية أضحت نوعاً من الهوس العالمي، وخاصة بالنظر إلى وجود الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي في كل مكان وعلى مدار الساعة، إضافة إلى مشاعر العداء التي أضحت جزءاً من الخطاب اليومي في المجتمع الأميركي. وأصبح ترامب، وأكثر من أي من الرؤساء المعاصرين الآخرين، القصة الخبرية المهيمنة كل يوم. ولهذا، فما يريده الأميركيون الآن هو ميلودراما أقل، وتدفق أخبار أكثر استقراراً، بل ورتابة.