لمْ تخطئ عزيزي في قراءة العنوان هو جامعة وليس جائحة، ربما أكون متأثراً بطبيعة عملي كأكاديمي في قراءتي للجائحة، وما مر بالعالم من تجارب ترقى أن تكون جامعة من وجهة نظري. وكغيرها من الجامعات ينتسب لها الطلبة باختيارهم، لكن جامعة كورونا كان الانتساب لها إجبارياً، وشمل العالم قاطبة. فليست هذه جامعة لدولة ما أو إقليم محدد. وفي كل جامعة هناك كليات وتخصصات مختلفة، كذلك جائحة كورونا تَعلّم الناس من خلالها عبر مختلف التخصصات. ولعلي أسرد بعضها من باب الاختصار، وأترك لكم فسحة للحديث عن بقية التخصصات التي شملتها جامعة كورونا.
نبدأ بكلية العلوم السياسية. أنظمة الحكم في العالم قد تكون ملكية أو ديمقراطية أو ديكتاتورية، ومن حق كل شعب اختيار النظام المناسب له. في جائحة كورونا فشلت بعض أفضل أنظمة الحكم الديمقراطية في تأمين الغذاء والدواء للناس خلال الجائحة. وهذا مؤشر واضح لعدم الانخداع بالمسميات، لكن المطلوب في النهاية أنظمة حكم تناسب المجتمعات، وتنجح في تحقيق الرفاه والسعادة للشعوب.
التخصص الثاني في السياسة مرتبط بالمنظمات الدولية، كلنا نعرف أنه بعد الحرب العالمية الأولى تم إنشاء عصبة الأمم لتنسيق الجهود العالمية. وبعد الحرب الكونية الثانية أنشئت الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة ومنها منظمة الصحة العالمية. أعتقد بعد جائحة كورونا أن العالم بحاجة إلى إعادة النظر في ذلك بعد التعثر في احتواء المرض، بسبب سوء التنسيق الدولي. فمنظمة الصحة العالمية تعرضت لمشكلات جمة منذ بداية ظهور الجائحة.
في كلية «الأعمال»، تعلم الناس الفرق بين الاقتصاد الناجح والفاشل، بين المشاريع التي أسست على هدى ودراسة وغيرها من التي استعجل الناس فيها، تعلم الناس أهمية الادخار ومعنى الاقتصاد والبعد عن السرف غير المبرر. هناك أسر باتت فقيرة بعد غنى، وأخرى هلكت بسبب هذا الاقتصاد الجشع، الذي يتلاعب به أصحاب رؤوس الأموال كما يشاؤون. فمن يصدق أن شركات كانت أرباحها بالمليارات لم تتمكن من دفع رواتب الموظفين أشهراً معدودات. ومعدل الدين العام في العالم وصل إلى أرقام فلكية فمن المسؤول عن ذلك: هل المجرم هو الفيروس كما يحاول البعض أن يقول، أم أنه الجشع وسوء التخطيط، وربما فقدان البعض لمعنى الإنسانية؟
الكلية الثالثة هي كلية التربية، ففي جامعة كورونا تعلمنا وبسرعة أساليب التعليم عن بعد، والمناهج الإلكترونية، والتعليم الهجين.. هذه التخصصات كانت مرفوضة من الميدان ومن أهل الاختصاص، لكنها أصبحت تحدد مستقبل التعليم في العالم. 
في كلية الشريعة، تعلم الناس فقه النوازل، لأول مرة نسمع المؤذن يقول صلوا في بيوتكم، وتعطلت صلاة الجمعة والجماعة والعمرة. 
في كلية العلوم الإنسانية، تعلم البشر أهمية التعايش رغم اختلافاتنا، وضرورة وجود العلاقات الاجتماعية في حياتنا، وخطورة العزلة والانطواء. 
وأخيراً كما هو شأن الجامعات، يتخرج الناس وفق اجتهادهم في حدود 3 أو 4 سنوات في جامعة كورونا. سيتخرج الناس فيها بعد أن كَتبَ الله لهم الحياة كلٌ باجتهاده. ونبارك للإمارات تخرجها بامتياز.

*أكاديمي إماراتي