من عمق الصحراء، ومن موطن الرمال والخيام وحرارة الشمس والسواعد الكادحة، من معاقل الجمال وأكوام الرمال وواحات النخيل.. إلى أعالي الفضاء وأرجائه البعيدة الفسيحة.. قامت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال خمسة عقود من مسيرتها المباركة ونهضتها المظفرة، فلم تتوقف عن أشواقها إلى التقدم، وما فتئت تتقدم وتتطور حتى وصلت إلى كوكب المريخ ولامسته في رحلة «مسبار الأمل».
لم يكن الحلم مستحيلاً في عقل ووجدان المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بل كان أملاً ظل يذكي العزم لديه والثقة في رجال استلموا المشعل من بعده ليواصلوا مشروعه وحلم حياته، وقد كانوا كما أراد؛ فسخَّروا كل الإمكانيات البشرية والمادية لإنجاح مشروع الإمارات الفضائي، كي يتم إرسال أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى المحطة الفضائية الدولية العام الماضي (وهو هزاع المنصوري)، ثم نجحت في إطلاق وإيصال «مسبار الأمل» إلى مداره حول المريخ في التاسع من فبراير الجاري، في ما يعد حدثاً تاريخياً عظيماً وإنجازاً يُكتَب بمداد الشرف في أنصع صفحات تاريخ الإنجازات العلمية في مجال الفضاء.. وذلك بعد إعداد محكم وعمل دؤوب متقن ودراسات وبحوث معمقة استمرت لسنوات، حتى قدَّمت لنا «دارُ زايد» هذه الهدية التي يفتخر بها كل خليجي، كإنجاز آخر يضاف إلى تاريخ هذه البلاد العظيمة ومفاخرها المتعددة في مجال العلم والفضاء والابتكار والطاقة والسياحة والبحوث، وكخطوة كبرى في المسيرة العلمية للعالم أجمع.
لقد عكفت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال العقود الماضية على إنجاز مشاريع تنموية كبرى، مواصِلةً السير قدماً في مجال التطوير وصنع حضارة إنسانية وعلمية متميزة، وذلك من خلال التركيز على البناء وتشييد دولة تضاهي أكبر الدول اقتصاداً وأكثرها تقدماً وجذباً سياحياً وتطوراً عمرانياً.. فكان التحدي والإصرار على صناعة نهضة مبهرة وبناء وطن قوي وترسانة علمية قوامها استدعاء أكبر الصروح العلمية في العالم والاستثمار في عقول الأفراد وأبناء الوطن وتعزيز مكانتهم.. لتحظى الإمارات بهذا الزخم العالمي اللافت والسيادة القوية والاستراتيجية السياسية المتميزة بالحكمة والكياسة على خطى المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
وتعد الإمارات خامس دولة في تاريخ البشرية تصل إلى كوكب المريخ، وأول دولة عربية تحقق هذا الحلم العظيم بإنجاز أول مهمة عربية في هذا المجال، واضعةً بذلك بصمتها على هذا الكوكب وربما ملكيتها مستقبلاً على سطحه، لمواصلة رحلة الاكتشاف والبحث وسبر أغوار عالم الفضاء وتحديداً «الكوكب الأحمر». فالأحلام والمعجزات أصبحت واقعاً إماراتياً تتزاحم في سجل مفاخرها إنجازاتُه المتراكمة، والتي لن تنتهي عند هذا الحد، كما أنها لم تبدأ مصادفةً أو بين عشية وضحاها. ففي عام 2014 أعلنت الإمارات تأسيس وكالة الإمارات للفضاء، ثم إنشاء مركز محمد بن راشد للفضاء في عام 2015، وتوالت بعدها مهمات إرسال الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء، حتى توجت بوصول «مسبار الأمل» بعد مسيرة حافلة بالإنجاز والتحدي وصناعة المستقبل، بذات القوة والإصرار اللذين بدأت بهما مسيرة هذه البلاد. ومَن بدأ قوياً حتماً سوف يستمر قوياً حتى يرث الله الأرض ومَن عليها، ومَن كان سقف أحلامه يعانق السماء فحتماً لن يرضى بما دون المريخ!