الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

عطايا الورق

عطايا الورق
15 فبراير 2021 00:02

للورق عطايا وهبات لا يعرفها إلاّ من تعلّق كثيراً ومنذ الصّغر بالورقة وبالقلم، وبرغم ما يُشاع في زمننا هذا من حديثٍ وآراء حول قرب انتهاء زمن الورق والصحف والكتب، أو ما تتخذه الدول من خطوات للسير نحو الذكاء الاصطناعي والأنظمة التقنية الحديثة، وإلغاء التعامل بالأوراق، ومن ضمنها الأوراق النقدية التي لا نشعر بالدفء والأمان إلاّ وهي ترافقنا في حقائبنا وجيوبنا بخاصة عند السفر وقبل اختراع البطاقات البنكية، حيث كانت الشيكات السياحية المدفوعة مسبقاً إحدى وسائل الدفع عند الشراء، وكان بعضنا يشتريها لما فيها من أمان، فهي لا تتعرض للسرقة، وإن وقعت في يد أحد لا يمكنه التصرف فيها ما لم تكن معتمدة من صاحبها.
ولأن للورق عطايا كثيرة، فإن المطابع ما تزال تُنتج أطناناً من الأوراق المُستخدمة لأغراض كثيرة في شتى أنحاء العالم حتى تلك الدول الأكثر تقدماً، ولنا في الانتخابات الأميركية الأخيرة أكثر من مثلٍ، حيث كانت صناديق الاقتراع محشوة بالملايين من الأوراق التي ألقمها الناخبون تلك الصناديق، ذاك يعني أن الورق سيظل رفيقنا الجميل والرقيق والسميك، والناعم والخشن، والأبيض والملون، الموشى بأعذب الكلام والفارغ، الطويل والقصير والمربع الذي يأتي في أشكال مختلفة تسر القلوب، وتستفز خيال المبدعين.
من أجمل أنواع الورق ذاك الأبيض الراعب الذي يستفزك كلما وقعت عيناك عليه، تريد أن تذهب إليه فتصنعَ حواراً شيّقاً بينك وبينه قد يصير بعد حين حكاية جميلة، قصة، أو قصيدة، رواية أو لوحة فنية تسلبك بتفاصيلها المنحوتة برقة وعناية، الورق مُلهم جيّد لمن يحبّه ويرافقه في كل ارتحالاته وحالاته، ورغم وجود أجهزة الحاسوب في كل مكان إلاّ أن اللغة الخاصة بين الورقة والكاتب لها أسرارها الخاصة تلك التي يفهمها الاثنان حينما تمتزج قطرات الحبر فيسقط مطر الغيمة الأولى على خدٍ ورقةٍ نيئةٍ في حالة انتظار للاحتواء.
عطايا الورق كثيرة لا تعد ّولا تُحصى ربما يفتقد أبناء الجيل الحالي لذه المتعة التي نشعر بها نحن الذي عشنا ولا نزال لله الحمد في ارتباط بالورق ويكاد أكثرنا يكتب مسوداته عليه قبل أن يدفع بها إلى لوحة مفاتيح ميّتة لا تكاد تحتضنك، أو تشعر بها، هي مجرّد ممر للعبور من سطر إلى آخر بعيداً عن الشعور ذاك الذي تمنحك إياه ورقتك الأثيرة التي أخذتك من النقطة الأولى للحرف الأول إلى ما لا نهاية.
الورق يعني الكتاب، وما دمنا نتمسك بالكتاب، فسيبقى الورق رفيقنا لتكون عطاياه أكثر من قصة وأعمق من قصيدة وأكثر من صديق يستمع إليك أكثر من نفسك، ويحملك إلى الآخرين بكل حب وعناية واهتمام، إنها عطايا الورق.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©