يعني مفهوم «نهاية التاريخ» إيقاف الزمان، واكتمال التاريخ، وتحقق الكمال. فالرأسمالية المنتصرة بعد هزيمة الاشتراكية في 1991، هي نهاية المطاف في التطور الإنساني، وعلى كل الأنظمة التكيف معها وتبنيها! وقد بلغت نظرية «نهاية التاريخ» أوجها في القرن الماضي عند هيجل في ألمانيا اعتزازاً بالروح الألمانية وبدولة بسمارك الموحَّدة. وكانت تلك النهاية قد تحققت من قبل في الثورة الفرنسية. وقد لا تعني «نهاية التاريخ» الانتصار بالضرورة. فقد لاحظ فلاسفة التاريخ في الغرب أن القرن العشرين هو نهاية الغرب. ولما كان الغرب هو التاريخ والتاريخ هو الغرب، فقد انتهى التاريخ في «أفول الغرب» عند اشبنجلر، و«إفلاس الفلسفة» عند هوسرل، و«قلب القيم» عند شيلر، و«الغرب في قفص الاتهام» عند رسل، و«الغرب مصادفةً» عند جارودي، و«موت الإله» عند نيتشة. وفي حضارات أخرى قد تعني «نهاية التاريخ» في الغرب «بداية التاريخ»؛ أي تاريخ أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، في دورة حضارية جديدة للشعوب التاريخية ممثلةً في حركات التحرر الوطني، وفجر النهضة العربية، والنمور الآسيوية، وريح الشرق.
وتعني «العولمة» نهاية عصر الاستقطاب وبداية العالم ذي القطب الواحد، تحت شعار «العالم قرية واحدة»، وقد تجسدت في اقتصاديات السوق، ومجموعة الثمانية الكبار، والشركات المتعددة الجنسيات، وثورة المعلومات، والثورة التكنولوجية الثانية، ونهاية الأيديولوجيا.. كما تعني تراجع نطاق حكم الدولة الوطنية؛ فصندوق النقد والبنك الدوليين، واتفاقية «الجات»، والأمم المتحدة.. كلها تحاول أن تكون بديلة عن الحكومات الوطنية في مجالات معينة. لا جمارك ولا حدود ولا حماية، فالأحلاف موجودة، وقوة الولايات المتحدة منتشرة في كل مكان. 
وتقوم «ثورة المعلومات» على نقل المعلومات، وعلى احتكارها وحجبها أيضاً، وتظل مراكز السيطرة فيها لمن أبدعها. فالمعلومات قوة، والأقمار الاصطناعية كلها في أيدي أصحابها. فالمعرفة ليست حقاً للجميع، بل لمن يملكها فحسب. ثورة المعلومات من ناحية يقابلها احتكار المعلومات من ناحية أخرى. وتزدهر صناعة نظم المعلومات وصناعتها بحيث أصبحت تفوق الصناعات العسكرية. 
و«الخصخصة» لبُلدان الأطراف؛ فقد فشلت هذه البلدان في التحول من الثورة إلى الدولة. كلفت الثورة المعسكرَ الشرقي الأموال الطائلة ثمناً للتسلح حتى انهار، وتكلفت الولايات المتحدة والغرب مليارات في التنمية والخدمات حتى تفاقمت مشكلة ديون العالم الثالث. لذا أصبحت «الخصخصة» عنواناً لفشل التجارب الاشتراكية العربية والأفريقية في الستينيات، ونهايةً للقطاع العام ولسياسة دعم المواد الأولية رعايةً للفقراء، ونهايةً التخطيط والملكية العامة لوسائل الإنتاج، واتباع قوانين السوق: العرض والطلب، وحرية سعر الصرف والبنوك الخاصة، وخصخصة الماء والكهرباء والمواصلات. 
وتأتي مفاهيم أخرى، مثل «المجتمع المدني»، و«حقوق الإنسان»، و«حقوق المرأة».. كي تساعد المفاهيم الأولى كبديل عن «الدولة» و«الأمة» و«الشعب» و«المواطن». فالمجتمع المدني أو الأهلي مجتمع خاص، وحر، ينشط من خلال الجمعيات الأهلية شبه العمومية. فأزمة الحريات في دول العالم الثالث هي سيطرة السلطة على المجتمع. والحل هو أولوية المجتمع المدني على الحكومة. مع أن الحل هو ألا تكون قوة أحد الطرفين على حساب الآخر، ومن ثم تخف حدة التناقض. أما مفاهيم «حقوق الإنسان» و«حقوق المرأة» فهي إسقاطات غربية على باقي الشعوب. فحقوق الإنسان تقوم على فلسفة فردية، أي أن الإنسان الفرد محور الكون. أما في ثقافات العالم الثالث فالجماعة هي البداية بما تمثله من تعاون وتراحم وأُلفة ومحبة. وإذا كان الغرب قد أعطى العالم «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» في عام 1948 فإن العالم الثالث قد أعطى العالم أيضاً «الإعلان العالمي لحقوق الشعوب» في الجزائر عام 1971. أما «حقوق المرأة» فإنها أيضاً تقوم على مفهوم فردي نوعي، بعد تجزئة الفردية إلى فرديات: رجل، امرأة، طفل، عجوز، شاب. وهذا كله تفتيت للمجتمع الواحد، وقضاء على مفهوم الفرد نفسه، والذي لا يتمايز فيه الإنسان نوعياً (جنسياً) أو طبقاً للأعمار.


*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة