بالسيتي تحمست كالملايين لقمة الدوري الإنجليزي، وهي تضع في المواجهة ليفربول بطل النسخة الأخيرة ومانشستر سيتي بطل النسخة التي قبلها، وكانت حماستي لما سأشاهده مجسداً على أرضية الملعب من محاكاة تكتيكية ومن صراع بين فلسفتين، إن اختلفتا في الديالكتيك، وفي مقاربة الإشكالات الفنية، فإنهما يتفقان في إهدائنا كرة القدم، نظارتها جديدة ولمعانها براق.
ما بين الألماني يورجن كلوب وبيب جوارديولا مجادلة كروية، تقوم كما في علم المنطق على المجادلة وعلى البرهنة، فكما أن كلوب احتاج إلى ما ينعش منظومة النجاح وقد أخذت في الاختناق، فإن جوارديولا احتاج إلى ما يدعم التحوير التكتيكي الذي قام به هذا الموسم تحديداً، ليعاود التحليق بالسيتي إلى سماء الإبهار والمتعة وصناعة الفرح، وللأمانة فإنه بصرف النظر عن الغبار الذي تطاير من الأنفيلد ليغير على صفحات الجرائد ومنصات الحوار بإنجلترا، والذي اختصر السقوط الجنوني للريدز في معقلهم أمام السيتي في أخطاء أليسون حارس ليفربول، كانت هذه القمة إيذاناً بدخول الريدز بؤرة الشك التي إن ضاقت أكثر مما هي عليه الآن وضعت كلوب في حرج كبير، وكانت إعلاناً عن وصول جوارديولا المتحول، جوارديولا الذي أخرج منظومة اللعب من التنفس الاصطناعي، وقد أوجد لها جهازاً يساعد على الاستنشاق بشكل طبيعي.
تخلى جوارديولا نسبياً عن الاستحواذ، وقد أصبح بفعل تكوم منافسيه داخل محمياتهم الدفاعية سهماً يرتد للصدر، وقرر أن يلعب كرة قدم متحولة، تنتقل بشكل متواتر من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية، ولكنها لا تتصدع دفاعياً ولا ترتعن هجومياً، وقد شاهدنا كيف أن هذا التحوير الذي أبدعه جوارديولا الخلاق مكن السيتي من تحقيق 10 انتصارات متتالية في الدوري الإنجليزي، ليقف متصدراً بفارق 5 نقاط عن مانشستر يونياتد وبمباراة ناقصة، 10 مباريات لم يستقبل خلالها غير هدف واحد، وكان في قمته بالأنفيلد التي أنهاها منتصراً برباعية لهدف.
عندما بادرت إدارة المان سيتي بعد أشهر من الإثارة إلى تمديد عقد الفيلسوف بيب لسنتين أخريين، قال البعض أليست هذه مجازفة؟ ألم تشعر إدارة السيتي على أن الدورة الزمنية لجوارديولا انتهت بانتهاء فلسفته وبسقوط آخر صرح للتيكي تاكا (نظام الاستحواذ)؟ وجاء الرد سريعاً من إدارة السيتي التي أبانت عن جودة حوكمتها وجرأتها في صناعة قراراتها، وهي تحرر عقداً يمدد الشراكة مع مدرب وثقت من قدرته على الخروج كالنور من رماده، ومن بيب جوارديولا الذي لم يمدد مقامه بالسيتيزن عبثاً وإنما لإدراكه التام، أن من وعائه الفكري ستخرج شعلة فنية تضيء ما تعتم في الرؤية، وتلك الشعلة هي ما حول السيتي إلى فريق يحقق 14 فوزاً متتالياً في مختلف المسابقات، ويقدم ما يسمي بـ«الكرة المتحولة».