عندما تحلم القيادة الإماراتية، يتحول الحلم إلى حقيقة. وعندما قطعت الوعود بتحدي العالم والدخول في نادي النخبة في السباق إلى المريخ، ضحك البعض في العالم الخارجي، مع القليل من المؤمنين بأن الإمارات ستتحدى نفسها، وتنجح كعادتها في كل المشاريع التي أبهرت بها العالم. وما بين تشكيك أعداء النجاح والكارهين والحاقدين والحاسدين كان الهدف الإماراتي يتبلور للعيان بعد أن خطط له بدقة متناهية وأصبح قابلاً للتطبيق. وأما في الداخل، ومن قبل من هم قريبون من الحكومة الإماراتية ومن الإنجازات العالمية للدولة، كان الحلم حقيقة منذ لحظة الإعلان الأولى عن طبيعة المشروع الطموحة لثقتهم بالقيادة الاستثنائية التي تُحول كل ما تلمسه ذهباً معرفياً أو مادياً أو معنوياً.. إلخ بفكر سبع نجوم وعزيمة ثابتة ومبدأ راسخ بأن المستحيل ليس إماراتياً، ولتتحول رحلة «مسبار الأمل» الإماراتي للكوكب الأحمر إلى احتفال عربي إسلامي بمولد وبداية عصر النهضة الثانية للحضارة الإسلامية والعربية.
فهو القدر إذن، وليست الصدفة المحضة التي جعلت اليوم الوطني الإماراتي الذي يصادف 2 ديسمبر 1971، هو نفس موعد هبوط أول مسبار بنجاح على سطح المريخ والبدء في إرسال إشارات من سطح الكوكب، وكيف أنه بعد 50 عاماً من ولادة الدولة - ستطلق أول سفينة فضاء إماراتية رحلاتها وتدخل مدار كوكب المريخ، وذلك تتويجاً لسبع سنوات من العمل الشاق، واحتفالاً بالبراعة والإنجاز العربي، وفي حال نجاح «المسبار»، سيكون «مسبار» الأمل انتصاراً تكنولوجياً لدولة الإمارات العربية المتحدة. وإذا لم ينجح، سيكون على الأقل في صحبة جيدة، حيث إن المركبات الفضائية التي أرسلت إلى المريخ منذ عام 1960، وفقط 40% منها نجحت و60% منها لم تنجح، علماً أن نافذة المرور الكونية وإن صح التعبير في اتجاه المريخ تكون متاحة فقط مرة كل 26 شهراً والصين والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة قاموا بإرسال مجسات إلى الكوكب للبحث عن علامات إضافية للحياة الماضية وربما تمهد الطريق - يوماً ما - للتقدم على سطحه.
ويمثل المسبار الإماراتي الذي يبلغ وزنه 1350 كيلوغراماً، وهو بحجم سيارة دفع رباعي، الانطلاقة الأولى لبرنامج الفضاء الطموح لدولة الإمارات العربية المتحدة. وسيبقى المسبار في مداره لمدة عام كامل على الكوكب الأحمر، والمعروف أن عدد أيام السنة على المريخ تساوي 687 يوماً أرضياً، أي ما يعادل سنة و322 يوماً تقريباً.
ويأمل العلماء من خلال هذه الرحلة تسليط الضوء على الغلاف الجوي للمريخ، وأن يتمكنوا من الحصول على نظرة شاملة لمناخ الكوكب الأحمر كل يوم من أيام السنة، وذلك بعد سنوات وجيزة من إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم المهمة، في رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ البشرية لمشروع بهذا الحجم والأهمية للبشرية، حيث كانت معايير المهمة طموحة بشكل مذهل، وقدمت جدولاً زمنياً يبدو مستحيلاً لعلماء ومهندسي الإمارات العربية المتحدة، ولكنهم نجحوا في التغلب على ما اعتبره البعض عملاً غير ممكن التحقيق وأقرب إلى الخيال. فهل يصبح مركز محمد بن راشد للفضاء، «ناسا الشرق»؟ ولن يكون المريخ الهدف النهائي، حيث إن المهمة تدور حول إنشاء اقتصاد مبتكر وتنافسي قائم على المعرفة، ويتعلق الأمر بمستقبل الدولة، وبما في ذلك الطاقة والغذاء والماء، ولا سيما أن الفضاء هو بوتقة مثبتة ومثالية لاختبار قوة البشرية، والخروج من منطقة الراحة. ولا يوجد شك أن وضع دولة الإمارات على الخريطة كلاعب رئيسي في الفضاء قد تحقق، وأن المركبة الفضائية غير المأهولة في أول مهمة بين الكواكب للدولة بعد أن تدخل المدار اليوم المصادف 9 فبراير 2021، سنقول: الآن ابتدأت الرحلة، ولم نقل نهاية الرحلة.