لا يختلف اثنان على أن التعليم المهني في دولة الإمارات العربية المتحدة يحظى باهتمام ورعاية غير مسبوقين من قيادة الدولة منذ تأسيسها، وذلك أسوة بما تَلْقاه مخرجات التعليم العام والتعليم العالي. وشخصياً، فقد شهدت في الفترة من 2004 إلى 2008 بداية بعض تلك الجهود كعضو في أحد فرق العمل المكلفة وقتها بإعداد الإطار الوطني للمؤهلات والأسس والقواعد التي ستقوم عليها عملية الاعتراف واعتماد مخرجات التعليم المهني أسوة بنظيرتها في التعليم العام والعالي، آخذين في الاعتبار تجارب عالمية لمن سبقونا ومن أبرزهم بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا. 
وبفضل من الله عز وجل ثم دعم وتشجيع القيادة الرشيدة، أثمرت جهودنا وجهود من جاؤوا بعدنا في وضع أسس وقواعد إنشاء «الهيئة الوطنية للمؤهلات» في العام 2010 والتي تعمل على ضمان وجود قوى عاملة بمؤهلات ذات جودة عالية وموثوقية عالمية تدعم متغيرات سوق العمل، وذلك من خلال تطوير وتطبيق منظومة شاملة للمؤهلات الوطنية لتعزيز مبدأ التعلم مدى الحياة والاستفادة من الخبرات. وبالتالي فإن ضمان جودة مخرجات مؤسسات التعليم والتدريب التقني والمھني، يعد هدفاً استراتيجياً للهيئة تعمل على تحقيقه منذ تأسيسها. 

وطيلة عقد من الزمن، عملت كوادر «الهيئة الوطنية للمؤهلات» بتركيز وإخلاص على وضع لبنات العديد من أسس وقواعد التعليم والتدريب التقني والمهني، لتتحول الإمارات إلى عاصمة ومنارة في هذا المجال ليس فقط على المستوى العربي، بل على المستوى الإقليمي أيضاً، وهذا ليس حديثاً مرسلاً، بلا أسانيد. فقد قامت الهيئة بتنظيم وتشريع العمل في مجال التعليم والتدريب التقني والمهني، سواء على الصعيد الحكومي الرسمي أو على الصعيد التجاري في ما يتعلق بمزودي التدريب في القطاع الخاص، كما تم تأسيس نظام «الجهات المانحة»، وهي الجهات الراغبة في أن تكون جهات مانحة للمؤهلات، ولقد تم اعتماد كل من «مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني» في أبوظبي و«هيئة المعرفة والتنمية البشرية» في دبي و«مركز المؤهلات الأمنية» في وزارة الداخلية، لتكون جهاتٍ مانحة، والعمل جارٍ على اعتماد بعض الجهات الحكومية الأخرى حالياً. كما قامت «الهيئة الوطنية للمؤهلات» بوضع والإشراف على تنفيذ نظام اعتماد المؤسسات التعليمية والتدريبية، والذي نتج عنها اعتماد العديد من تلك المؤسسات في القطاعين الحكومي والخاص، لتقديم خدمات التعليم والتدريب للحصول على مؤهلات وطنية ذات قيمة وأهمية استراتيجية كبيرة لسوق العمل، وذلك تحت إشراف كامل من الهيئة والجهات المانحة. وفي هذا الإطار، يعود للهيئة الفضل في إدخال «مهن» جديدة في حقل التعليم والتدريب المهني الوطني، وهي «المعلم المعتمد»، و«المقيم المعتمد»، و«المدقق الداخلي» و«الخارجي المعتمد»، وهي أسس العملية التعليمية والتدريبية في التعليم المهني، وأهم شروط اعتماد الجهات المانحة والمؤسسات التعليمية والتدريبية.
ولكن يظل، برأيي، الإنجاز الأبرز والأهم في مسيرة الهيئة هو إعداد وتدشين «المنظومة الوطنية للمؤهلات» وما تتضمنه من دليل ومعايير واشتراطات وكيفية الاعتراف بالمؤهلات المهنية الأجنبية والتعلم والخبرات السابقة. ولقد منحت تلك المنظومة دولة الإمارات العربية المتحدة قصب السبق عربياً وإقليمياً في هذا المجال، إذ أصبحت الدولة الوحيدة التي تمتلك تلك المنظومة التي تنظم مخرجات التعليم والتدريب المهني، وتعرض علاقتها بمؤسسات التعليم العام والعالي. وبعد عقد من الزمن، جاء قرار حكومة الإمارات بدمج «الهيئة الوطنية للمؤهلات»، مع وزارة التربية والتعليم، ليمنح الهيئة دفعة قوية جديدة نحو المستقبل، ولكن في الوقت نفسه ما زال التساؤل مطروحاً حول الاعتراف واعتماد مخرجات التعليم المهني لدى مؤسسات التعليم العالي.