استطلاع مؤسسة «كونراد أديناور» حول أنظمة الحكم ليس كأي استطلاع، فقد أجري بعد مرور عقد كامل على أعاصير التغيير في عدد من البلاد العربية فيما سمي بـ«الربيع العربي». ويكتسب هذا الاستطلاع أهميته من كونه معبّراً عن آراء الشباب العربي حول أفكار الديمقراطية، بعد أن نالت فرصتها من محاولة التطبيق في تجارب الدول التي تعرضت لأحداث «الربيع العربي». فقد أجرت المؤسسة البحثية الألمانية المذكورة مقابلات مع نحو عشرة آلاف شخص من فئة الشباب في دول كانت جزءاً من «الربيع»، كما في تونس وليبيا، أو كانت قاب قوسين منه، كما في لبنان والجزائر، أو عرفت احتجاجات متزامنة مع تلك الأحداث، كما في الأردن والمغرب، وأظهرت نتائج الاستطلاع حول نظام الحكم المنشود ما يرقى إلى «الكفر» بالديمقراطية.
لقد أيّدت غالبية الشباب في هذه الدول وجود حاكم قوي. ليس هذا فحسب، بل أيدت إلغاء النظام البرلماني، فهكذا قال 64% من الليبيين، و61% من التونسيين، و58% من اللبنانيين، و47% من الجزائريين، و39% من المغاربة. وأيدت الغالبية تخطي الحاكم القوي القواعد كلّما كان ذلك ضرورياً.. فهكذا قال 79% من الليبيين، و76% من التونسيين، و74% من اللبنانيين، و68% من الجزائريين، و50% من المغاربة.
وفضلاً عن أن هذا الاستطلاع يأتي بعد تجربة تحويل الحلم أو الوهم الديمقراطي إلى واقع، فإن الاستطلاع في ظني يعبّر عن حقيقة ما يعتقده الشباب بعيداً عن زخرف القول في الفضاء العام، فمثل تلك النسب من الصعب الحصول عليها أمام كاميرات التلفزيون مثلاً، فقد صُوّرت الديمقراطية كأنها الحق الذي لا يأتيه الباطل، وصار يُنظر إلى مَن يعبّر عن مخاوفه مِن الديمقراطية لمجتمعات لا تؤمن بها كديكتاتور صغير ينظر بفوقية، أو عبد خانع لو أمطرت السماء حرية لفتح مظلته فوراً.
وقد يكون سلطوياً مَن يعتبر الديمقراطية شراً مستطيراً، فيعادي الفكرة بالمطلق بقطع النظر عن حيثيات وظروف تطبيقها، وقد يكون خائر النفس لا رأي له مَن يتخوّف مِن الديمقراطية لأنها تمنحه حقاً يرى أنه لا يستحقه.. لكن ليس هذا حال مَن يشكك في نجاح التجربة الديمقراطية في مجتمعات لم تترسخ لديها الأعمدة التي مِن دونها تنهار أي ديمقراطية على رؤوس أصحابها، كالمواطنة والعلمانية وثقافة حقوق الإنسان، أو يشكك في نوايا وأهداف مَن يطالب بالديمقراطية الفورية رغم علمه بعدم توافر شروط نجاحها، ومن ثم عدم قدرتها على تحقيق الغاية منها. 
ويرى الكاتب حسين الوادعي في مقالة له أن التحول الديمقراطي «يحتاج أولاً إلى قناعة بضرورة الديمقراطية، وفهم لعناصرها بلا تلفيق أو انتقاء، وإصلاح ديني مترافق مع علمنة السياسة وعقلنة المجتمع، وقطيعة مع عقلية الاستبداد المستنير التي حكمت تفكير النخبة السياسية والفكرية قرناً بأكمله»، ومن دون تحقق هذه الشروط الصعبة، والتي قد تستغرق عمر أجيال من الناس، سنكون إزاء انتكاسات كلّما جاء ما نعتقد أنه تحولات. وقد أدرك الشباب في الاستطلاع أن الأعاصير لا تحدث في الربيع.

*كاتب إماراتي