بعد جائحة زلزلت الأركان، وشققت الوجدان، وعبثت بمشاعر الكون بأسره، تبدأ اليوم الانفراجة، وتخرج الشمس من شرنقة الخوف، لتفيض بخيوط من سعادة، ويبدأ العالم بفرك الجفون، وتحريك الرموش، والاتجاه نحو الأفق بذاكرة محملة بأوجاع الماضي، لكنها لم تتخلّ عن الإمساك بطرف رهيف يشف عن رغبة تحمل في الثنايا الأمل وفي تلافيف الحلم تكمن زهرات السعادة، والفرح بعود حميد، وكل من يقطن الأرض بدا يتنفس الهواء النقي، متحرراً من قماشة القلق.
اليوم العالم وبقوة الإرادة بدا يجيش بعاطفة الانتماء إلى العافية، والسفر عميقاً في خطوط الطول والعرض، بحثاً عن بلسم الحياة، ونبشاً في غضون المؤسسات الصحية عن حقنة تشيع في النفس الطمأنينة، وتعيد التوازن للروح، كي تمضي في الرحلة الطويلة، رافلة بثوب الهناء مرتدية قميص الحرية، متخلصة من روائح المعقمات، والمطهرات، والعودة من جديدة بمصافحة الأحبة وقبلات على جبين من سغبت عيونهم وهم ينتظرون عودة الأبناء إلى منازل الألفة، والأمان ودفء الأنفاس النابتة بين جوانح العشاق.
مرَّت العاصفة وبسلام خفقت الأفئدة، وقد نتذكر من سرقتهم الجائحة، ونتذكر من خطفوا عنوة من بين أعيننا، ولكن الحياة لن تتوقف، وسوف تستمر عيوننا بالتطلع إلى الأمام، ونحن نكن كل الود، والشكر للذين سهروا لأجل أن نعيش، وتعبوا لأجل أن نرتاح، وعانوا لكي نسعد، وهذه هي الحياة، تضحيات، وتفانٍ، كما أنها أفراح، وأتراح، المهم في الأمر أن تبقى في الحقل زهرة تعبق الكون بعطرها الشجي، وشذاها الخلاب، ونحن لا بد وأن نضع الخلاخيل في ساقي المرحلة ونمضي بتفاؤل، لأن الحياة هي حبل مشدود بين لا نهايتين كما قال الفيلسوف نيتشه، وعلينا أن نحلم بالميلاد دائماً، لأن العالم فعلاً وبعد الجائحة، سيولد من جديد، ومن جديد ستولد مشاعر، وصور، وحكايات، وقصص سترسم للأجيال القادمة، لوحة تشكيلية ترسخ المفاهيم حول كيف واجه آباؤهم، وأجدادهم المعضلة الكبرى، وكيف نجحوا في العبور، وكيف تفوقوا على المرض، وسوف يقرؤون كيف استطاعت الإمارات تجاوز المحنة العالمية، بنجاعة المنطق، وحكمة المواجهة، وفطنة الفوز بجائزة الدولة المنتصرة قبل غيرها على أعتى عاصفة مرضية تصيب العالم.