ليس مصادفةً أن تحصل وثيقة الأخوة الإنسانية التي رعى ولي عهد أبوظبي إصدارها بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر، على هذا الاهتمام العالمي، ولذلك أربعة أسباب:
1. أهمية الشخصيات التي أصدرتها والتي رعتها. فالُمصدران الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية. أما الرعاية والإطلاق والاهتمام فيأتي من جانب دولة الإمارات العربية ممثَّلةً بشخص ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد. وقد عُرفت دولة الإمارات العربية المتحدة بسياسات السلم والتضامن في العالم العربي والعالم الأوسع، وصارت هذه الاستراتيجية معروفة لدى القريب والبعيد.
أما شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فهو رئيس أهم المؤسسات العلمية والاعتبارية في العالم الإسلامي. وبالطبع هناك مؤسسات ومرجعيات أُخرى دينية في العالمين العربي والإسلامي، إنما في مائة عام الأخيرة صار الأزهر أهمّ مرجعيات المسلمين السنة الذين يشكّلون نسبة 85% من مسلمي العالم، أي أكثر من مليار نسمة. 
أما بابا الفاتيكان فهو المرجعية الدينية المركزية والوحيدة للمسيحيين الكاثوليك في العالم (أكثر من مليار نسمة). وقد صارت سياساته الودودة تجاه المسلمين معروفة. لقد زار مصر والإمارات والمغرب، واستقبل وفوداً إسلاميةً كثيرةً. وجاءت وثيقة الأخوة الإنسانية المشتركة مع شيخ الأزهر ذروةً في هذا المجال، وتُكلّل جهود البابا للصداقة والتضامن من أجل السلام بين الأديان والسلام في العالم. وما يزال البابا يذكرها مراراً وتكراراً في كل رسائله وكلماته، لإحساسه بأهمية العمل المشترك الذي تمثله الوثيقة.
2. المقاربة الجديدة ذات الطابع القيمي والأخلاقي للمشكلات العالمية: مشكلة الفقر، مشكلة الاختلال البيئي، مشكلة الحريات الدينية، مشكلة حريات المرأة، وقبل ذلك وبعده مشكلات إحقاق السلام العالمي. ولهذه المقاربة الأخلاقية منطلقان: أولهما منطلق الأخوة الإنسانية الناجمة عن وحدة الإنسانية أصولاً وفروعاً ومقتضيات فيما فوق الفروق الدينية والإثنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وثانيهما منطلق المسؤولية التي ينبغي أن تحدو الجميع إلى التصدي للمشكلات التي يحفل بها نظام العالم، والعالم الإنساني. 
إنّ هذين الدينين الكبيرين يعتبران عبر رأسيهما أنّ لديهما اعتبارات ومسؤوليات يستطيعان بمقتضاها مخاطبة المؤمنين، ومخاطبة أديان وشعوب العالم أجمع. وبالطبع هي ليست المرة الأولى التي تُطرح فيها مقولة «الأخوة الإنسانية»، لكنها المرة الأولى التي يلتقي عليها رجلا المسيحية والإسلام بما يتضمن المؤمنين وكل الناس في العالم. ومع هذه المسؤولية يعيد الزعيمان الدينيان ربط القيم والأخلاق بالدين، دونما جدالٍ مع مَنْ لا يرون ذلك، إنما همهما التوافق على القيم والاعتبارات التي تصون الوجود الإنساني بالسلام الشامل.
3. الوثيقة تمثل أعلى لقاءٍ على هذا المستوى بين المسيحية والإسلام. والبابا فرنسيس تَسمى باسم سلفٍ صالحٍ له هو القديس فرنسيس الأسيزي الذي قاد أول حوارٍ مع المسلمين إبّان الحروب الصليبية، حيث مضى إلى مصر وتحدث إلى الملك الكامل الأيوبي، ودعا إلى سلامٍ بين الدينين. البابا فرنسيس يمشي على خُطاه. وشيخ الأزهر يرى أنه بهذا التحالف على الأخوة تنتهي الحروب، ولا تنحسم بالقتال والنزاعات التي لا يربح فيها أحد. إنه عهدٌ ووعدٌ من جانب هاتين الديانتين الإبراهيميتين للمؤمنين بهما، وللعالم أجمع.
4. الأهمية المنقطعة النظير للوثيقة لنا نحن المسلمين. فنحن في زمان أفسد فيه المتطرفون والإرهابيون القتلة والمجرمون علاقاتنا بالأشقاء من المواطنين المسيحيين، وبسائر شعوب العالم التي أدخلوا عليها الخوف منا ومن ديننا. وعلى الرغم من ذلك كله يأتي إلينا البابا فرنسيس رسول سلامٍ وأخوةٍ لا تتزعزع، تعطي ولا تأخذ، وتشترع للحب والتضامن لا للإعراض والكراهية.
 
 
383x420 
683.76KB