كان «الشعب يريد إسقاط النظام» في بعض الدول العربية، على حد زعم البعض، ضمن ما عُرف بـ«الربيع العربي» الذي انطلق من تونس أواخر ديسمبر 2010، وأصبحت محطته الأبرز يوم 25 يناير 2011 مصر، لينتقل بعد ذلك بقوة نحو اليمن وليبيا وسوريا، فضلاً عن تأثيرات جانبية طالت دولاً أخرى.
عقدٌ مرّ على تلك الأحداث أو الحرائق ولا يزال السؤال مطروحاً: مَن كان وراء «الربيع العربي»؟ سؤال لا يتعلق بالتاريخ بقدر تعلقه بالمستقبل، فحين تعرف أن «س» هو الذي حرك الكرسي من مكانه، فيمكن أن تعرف دوافعه وأهدافه، وتبني خططك لإعادة الكرسي استناداً إلى ذلك، أما إذا كان «ص» هو مَن فعل، لدوافع وأهداف غير تلك التي لدى «س»، فأنت تبني خططاً أخرى.
وهناك ثلاثة تفسيرات لـ«الربيع العربي»؛ الأول يرى أن قوى محلية وخارجية تواطأت على صنعه بزعامة أوباما، بهدف إسقاط الأنظمة العربية، وتشكيل دويلات صغيرة مكان الدول الحالية، وكذلك تمكين جماعات الإسلام السياسي من الحكم. ويحرص أصحاب هذا التفسير على وصف تلك الأحداث بـ«الخريف العربي» أو «ربيع الإسلاميين».
والتفسير الثاني يزعم أن «الربيع» جاء متأخراً عن موعده، وكان لا بد من حدوثه، إذ لم يكن ثمة سبيل آخر غيره أمام الشعوب في تلك الدول حتى تغير واقعها الصعب، وبالتالي فهو احتجاجات عفوية لا تقف خلفها مؤامرة أو قوى خفية، وإنما كانت نتيجة طبيعية للخريف السياسي والاقتصادي والاجتماعي في بلدان «الربيع العربي».
أما التفسير الثالث فيزعم هو أيضاً أن تلك الأحداث كانت انفجاراً لألغام زرعتها أنظمة الحكم في الدول المذكورة. وأن «الإسلاميين» تحركوا فوراً في محاولة للوثوب على السلطة واختطافها باعتبارها جائزتهم الكبرى. ولا يغير من ذلك أن القوى الخارجية تدخلت، فهي لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تغييرات في دول ترتبط معها في شبكة من العلاقات والمصالح.
ولكل تفسير من هذه التفسيرات الثلاثة أعلاه حججه ومعطياته الخاصة، وقد يكون أحدها في بعض معطياته أقرب إلى حقيقة الواقع، وقد لا تسنده معطيات أخرى مهمة. ومما يجادل به أصحاب التفسير الثالث والأخير أنه رغم أن سقف المطالب لدى تلك الشعوب كان منخفضاً، وكانت قانعة مثل الجمال بالقليل من الأشواك، فإن بعض الحكومات في تلك الدول لم تحفظ لشعوبها جميل قناعتها، وهضمت حتى حقوقها القليلة، من قبيل التعليم والطبابة والعمل والاحترام والثقة بالمستقبل، أو ما نطلق عليه «العيش الكريم».
ولم ينزل المحتجون في تلك الدول مطالبين بأن تتحول بلدانهم إلى سويسرا، وإنما بألا تصبح حياتهم جحيماً لا يطاق. وكثير ممن شاركوا في تلك الاحتجاجات لم يفعلوا ذلك لتنفيذ مؤامرة ضد أوطانهم، وإنما نزلوا بعد أن استحوذ عليهم اليأس من إصلاح أوضاعهم، وفقدوا الأمل في المستقبل، وتوصلوا إلى ما بدا لهم كقناعة بأن الجلوس على «الكنبة» لا يحل أي مشكلة.
ومع وصول قيادة جديدة في أميركا لها امتدادات مع الحقبة «الأوبامية»، فقد ينشط أصحاب التفسير الأول في التشكيك في خطوات الإصلاح، فطالما أن «الربيع» كان مؤامرة، ولم يكن نتاجاً لواقع قائم، فلا حاجة لإصلاح شيء. ولا يختلف الأمر مع أصحاب التفسير المثالي، إذ ستبدو الأحداث في نظرهم عفوية، وتحدث من تلقاء نفسها!