إلى وقت قريب بالغنا كمغاربة في جلد الذات، بل وأغرقنا في العدمية ونحن نتلمس لكرة القدم المغربية أفقاً لا بياض فيه، وجزم كثير منا على أن الرحم التي أنجبت أساطير مثل العربي بنمبارك ومحمد التيمومي والزاكي بادو ونور الدين نيبت وغيرهم كثير، قد أصابها العقم ولا أمل في مشاهدة نظير لهؤلاء المبدعين.
والحقيقة أن هذا العقم المتحدث عنه، مصطنع وليس خلقياً، والدليل يأتي من الرائع يوسف النصيري الذي يبهر بالليجا الإسبانية، بما يعرضه من لوحات فنية وبما يحققه من نسب عالية في التهديف، كيف لا وهذا الفتى المنحدر من مدينة فاس المغربية انفرد بـ«الهاتريك» الذي وقعه في مباراة ناديه إشبيلية أمام قادش، بصدارة الهدافين، متقدماً على الأسطورة ميسي، وماكينة الأهداف بنزيما.
النصيري الذي بات يحمل لقب «المروحية» منذ هدفه في مرمى لاروخا خلال كأس العالم بروسيا عام 2018، هو ابن شرعي لكرة القدم المغربية، خرج من صلبها، استهوته كرة القدم فلعب لنادي مسقط الرأس المغرب الفاسي، فجذب إليه منقبي أكاديمية محمد السادس، بطوله الفارع وبحاسة الاقتناص الموجودة لديه. بهذه الأكاديمية، تلقى يوسف تكويناً أكاديمياً نقله إلى مستويات متقدمة في التعبير عن المكنونات الفنية، وسمح له بالانتقال في سن مبكرة إلى مالقا الإسباني الذي سيلعب لرديفه، وسيستكمل ما كان ناقصاً في التنشئة التكتيكية والتربية الاحترافية.
بدا النصيري في أيامه الأولى نيئاً ومفتقداً للوقود التكتيكي، وعندما تزود به في مالقا بدأ بالتحليق، وبعد أن اشتراه النادي من الأكاديمية بـ125 ألف يورو، سيبيعه بعد سنتين لليجانيس بـ5 ملايين يورو، أي أن قيمته السوقية تضاعفت 30 مرة، وبعد أقل من سنتين سيبيعه ليجانيس لإشبيلية بـ20 مليون يورو، أي أن قيمته السوقية تضاعفت أربع مرات، وعندما يعرض نادي ويستهام الإنجليزي ما يقارب 35 مليون يورو لشرائه، فلنا أن نتصور الجبال الشاهقة التي تسلقها النصيري خلال خمس سنوات كاملة منذ أن أطل على بلاد الأندلس، ليصبح من الهدافين المميزين على المستوى العالمي.
صحيح أن ما تشبع به يوسف في البيئة الاحترافية الإسبانية وما تعلمه في مختبر الليجا من أصول كرة قدم المستوى العالي، هو ما قدمه بهذه الصورة الرائعة، إلا أن النصيري كان حاملاً في الأصل لجينات الإبداع التي حملها من سبقوه لدنيا الإبداع الكروي وكانوا له ملهمين، لذلك يزيد يقيني كل يوم، من أن التكوين العلمي والأكاديمي المعمم، هو ما سيمنح المغرب وكل الدول العربية عشرات من النصيري، وصلاح، ومحرز، وهو ما سينهي هذا الهدر البشع للطاقات والنسف الظالم لأحلام الشباب، ويمنح أنديتنا فرصة الاستثمار في هذا الرأسمال البشري الغني، بدل رميه في عرض البحر أو بيعه بتراب الفلوس.