فضاء الإبداع يبدو غامضاً وساكناً، حين يقيم في الذات البشرية المنتشية بالحياة، وما إن يصبو بحس المرهف وشاعرية المبدع الذي يترادف مع المخيلة وإيقاعها مع الحكمة وفطرتها مع الحلم ونبوءاته وأسراره، مع إرث الإنسان العظيم والسحيق، وذاكرته الحضارية المتوهجة والملهمة للحياة بالتجدد، والانبهار بالمكون وعراقته وقيمه، ولذة الإبداع أنه يسري بالإنسان نحو جمالية راقية فكرياً وثقافياً، ليعلو بهذا السحر الجميل علواً شامخاً يضاهي الحضارات والمجتمعات، ورغم ما يخفيه الزمن من احتدام ومخاوف وإرباك ما بين هذه المتعة الإبداعية الحضارية والإنسان، وبات الخوف يدر الحذر على كثيرٍ من جوانب الحياة الصامدة بكل ما تمتلك من عنفوان ورونق المحافظة على الإبداع الحديث والمتجسد في تجسيره بين الشعوب، ربما كحلم أو كقيمة حقيقية مهمة.
ادعاءات ساحقة تحدق بالإبداعات الفكرية والثقافية والشعرية واقتباسات مؤلمة فاضت عن المألوف، ووجدوا لهم كذبة في السطو على المخيلة المبدعة واقتطاف ما يحلو لهم، لكن يبقى ما يفضح ادعاءاتهم الماكرة ألا وهي سطحية أفكارهم وتساؤلاتهم المصطنعة، والتي تحط من شأنهم فكبر الجسد لديهم وبقي العقل صغيراً يقتات على كتابة الآخرين، ويفضي بها على اسمه ليصبح لامعاً في خواء العتمة، ومهما بلغت الإتاحة لهؤلاء من المضي نسباً للكتابة الإبداعية، فهناك ما لا ليس لهم فيه، وتبقى العبقرية الفكرية عصية عليهم، وكذلك الفكر النير والثقافة المطلقة، فهم لا يدركون لغتها ولا اختزال مفاهيمها، ولا حرفتها الرصينة المتساوية مع الفنون وشرفتها العالية، والتي لا تطال إلا من أصحاب التجارب الفكرية الحقيقية.
كثيرون هم من قفز على المفهوم الثقافي والإبداعي بمكر ودهاء، وبلور لنفسه المكانة الربيعية، لكن دون فائدة تذكر، فالتاريخ الإنساني لا يتوج أحداً بالمجان، إلا بعد ما يعرض المبدع أعمالاً أدبية مهمة للغاية، وتستحق المكانة الفكرية الرائدة، ولينحسر مكرهم وادعاءاتهم إلى بؤرة الظلام، ففي غياب النقد الحقيقي وصمته أو تتويجه ممن لا يستحق، ومن لهم علاقات وطيدة مع كتاب الجملة أي الإصدارات دون ذائقة، والمخلة بالإبداع ونهجه، ترى هذا ما جعل إصداراتهم بالكم، وبمنهجية التسويق المجاني، ودون الرهبة من النقد الذي أصبح في حل من الكتابات بعمومها واضطراباتها وهيمنة النشر المجاني.
وما يفضي به المشهد الإبداعي في العالم مؤلم جداً من جراء سطوة الهيمنة من قبل المدعين والمتحورين، ليصبح الإبداع قضية يدافع عنها أصحابها الحقيقيون الذين يقيمون في حياتهم الإبداعية، ومهما كلفهم الأمر فهم لا ينتمون لغيره، ولا يناقضون أنفسهم وإدراكهم بجمالية الروح في إحساسهم، هو أبلغ صورة مشرقة لا يدركها العابثون.