بعيد تنصيب روزفيلت رئيساً عام 1933، قيّم أحد الزوار رهانات مقترحه «الصفقة الجديدة». فقال له الزائر: «سيدي الرئيس، إذا نجح برنامجك، ستصبح أعظم رئيس في التاريخ الأميركي»، مضيفاً: «أما إذا فشل، فإنك ستصبح أسوأ رئيس». فكان أن رد عليه روزفيلت قائلاً: «وإذا فشل، فإنني سأصبح آخر رئيس». 
هذه القصة، المأخوذة من كتاب جونتان آلتر الممتاز «اللحظة المفصلية»، حول المئة يوم الأولى من رئاسة روزفيلت، تُبرز مشاعر اليأس وعدم اليقين التي كانت سائدة إبان أزمة «الكساد الكبير» لدى تسلم روزفيلت السلطة – يأس قد يبدو مألوفاً اليوم. 
والواقع أن هذا الذي نعيشه اليوم ليس «الكساد الكبير»، غير أننا نواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ تلك الفترة، إضافة إلى موت نحو 4 آلاف أميركي يومياً جراء أسوء وباء خلال قرن، إضافة إلى تمرد حرّض عليه الرئيس المنتهية ولايته، إضافة إلى تيار من الوهم الوطني يغذّي الانقسام والعنف. ذلك أن عدداً كبيراً من الأميركيين يؤمنون بنظرية المؤامرة.
ومن بعض النواحي، يمكن القول إن مهمة «فرانكلن روزفيلت» كانت سهلة. هذا هو سياق «خطة إنقاذ أميركا» التي يقترحها الرئيس الأميركي المنتخَب جو بايدن، وهي عبارة عن جهد يروم إعادة إحياء الاقتصاد الأميركي – وأشياء أخرى كثيرة. وعلى غرار روزفيلت، يوظّف بايدن الأزمة في محاولة لمعالجة مشاكل أُهملت منذ وقت طويل في بلدنا. إنها «السياسة الكبيرة»، بل يمكنك أن تسميها «روزفيلتية». 
وبالطبع، فإن ما كان مهماً بشأن روزفيلت، لم يكن حجم ما اقترحه وإنما حجم ما حققه، وحتى إذا مُرر مقترح بايدن الأولي عبر الكونجرس، فإنه لن يؤدي إلى أي شيء قريب من الثورة التي دامت 12 عاماً، وكان اسمها «الصفقة الجديدة». غير أنه بعد سنوات من التردد وأنصاف الحلول، من المفرح رؤية جهود جريئة حقاً تستهدف معالجة بعض من أعمق مشاكل أميركا. 
تغطية خطة بايدن البالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار تركز بشكل يمكن تفهمه على دفع 1400 دولار للأفراد، وتحسين إعانات البطالة، ومساعدة الحكومات المحلية، ودعم التعجيل بعملية التلقيح، والاستثمارات لإعادة الأطفال إلى المدارس. غير أن هناك أكثر من ذلك بكثير: المساعدة الغذائية، وسياسات للحؤول دون تشرد الأسر، ودعم رعاية الأطفال، و15 دولاراً كأحد أدنى فدرالي للأجور، وتوسيع للائتمان الضريبي لمكافحة الفقر. 
وبالنسبة لي، فإن العنصر الأكثر إثارة للفرح في مقترح بايدن هو عنصر لم يحظ بقدر كبير من الاهتمام: خطة رائدة لتقليص فقر الأطفال. 
إنها وصمة عار أخلاقية على جبين أميركا أن يكون قرابة ثلث سكانها الذين يعيشون في فقر من الأطفال، وهي نسبة أعلى في الفقر، مقارنةً مع أي فئة عمرية أخرى. 
ولهذا، فإنه من المبهج أن يدرج بايدن ضمن خطته توسيعاً مؤقتاً (آمل أن يصبح دائماً) للائتمان الضريبي للطفل بطريقة من شأنها أن تسهم أكثر من أي سياسة أخرى في تقليص فقر الأطفال وجعل أميركا حقاً أرضاً للفرص. إذ يعتزم بايدن تحويل ائتمان الطفل إلى شيء شبيه بإعانات الأطفال التي تُستعمل عبر العالم، من كندا إلى أستراليا، لتقليص فقر الأطفال. 
خطة بايدن لمكافحة فقر الأطفال كانت قد اقتُرحت من قبل كتشريع مدعوم من قبل السيناتورين مايكل بينيت من ولاية كولورادو وشيرود براون من ولاية أوهايو، وقد وجدت دراسة من جامعة كولومبيا أن من شأنها تقليص فقر الأطفال في الولايات المتحدة بـ45 في المئة. في أحيان كثيرة، يتقبل الأميركيون الفقر أو الفروق الكبيرة بين الأعراق باعتبارها قدراً مقدراً لا مفر منه ولا أمل في القضاء عليها. والحال أن الأدلة تشير إلا خلاف ذلك تماماً. وفي ما يلي مثالان بارزان على ذلك:
فحين كان رئيساً لوزراء بريطانيا، قلّص توني بلير فقر الأطفال بالنصف من خلال استراتيجية شملت إعانات للأطفال على شاكلة تلك التي يقترحها مخطط بايدن. 
وفي ميشيغن، حدثت 41 في المئة من الوفيات الأولية جراء فيروس كورونا بين المرضى السود، رغم أن السكان السود لا يشكّلون سوى 14 في المئة من سكان الولاية. غير أن ميشيغن بذلت جهوداً حثيثة بعد ذلك من أجل معالجة مشكلة انعدام المساواة عبر جلب الفحوصات إلى أحياء السود وضمان وصول عادل إلى برامج الدعم.
وربما المثال الثالث هو «الصفقة الجديدة» نفسها. ذلك أن نتائج جرأة روزفيلت شملت الضمان الاجتماعي، وكهربة الأرياف، وبرامج الوظائف، وشبكات مسارات المشي، وميثاق حقوق الجنود، وانفجاراً دام 35 عاماً في النمو الشامل والمستوعب للجميع الذي جعل الولايات المتحدة أغنى بلد في تاريخ العالم. 
غير أنه خلال النصف الأخير من القرن، تراجعنا تقريباً. فبالغنا في الاستثمار في السجون والإعفاء الضريبي للمليارديرات، بينما استثمرنا بشكل غير كاف في التعليم، والصحة العامة، والمهمّشين. 
وبالتالي، فإننا نفكر في الولايات المتحدة باعتبارها رقم 1، والحال أن أميركا تحتل المرتبة 28 عالمياً في رخاء المواطنين، وفق «مؤشر التقدم الاجتماعي». كما أن الولايات المتحدة واحدة من ثلاثة بلدان فقط تراجعت منذ بدء المؤشر في 2011. أجل، إن مقترح بايدن سيكون مكلفاً، ولكن دراسة مهمة من الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب وجدت أن تكلفة فقر الأطفال باهظة أكثر، إذ تكلّف أميركا 800 مليار دولار على الأقل سنوياً من حيث انخفاض الإنتاجية، وتفشي الجريمة، وارتفاع التكاليف الطبية. 
إن مساعدة الناس كثيراً ما تكون أصعب مما يبدو عليه الأمر. إلا أنه من الصعب المبالغة بشأن وصف الفرق الذي ستُحدِثه خطة بايدن بالنسبة للأميركيين، والنمو الاقتصادي، والتنافسية الدولية للبلاد – وكذلك بالنسبة لإطار الولايات المتحدة الأخلاقي. كما أنه على المدى البعيد، سيساهم هذا الأمر في الدفع بالمساواة والفرص والكرامة الأميركية أكثر من أي شيء آخر تقريباً.
*كاتب وصحافي أميركي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»