الانطباع الشائع هو أن بايدن سوف يمحو سياسات ترامب الخارجية، وهو انطباع غير دقيق، فالدول عموماً تبني سياستها الخارجية على مصالحها الوطنية، وصحيح أن إدراك هذه المصالح يختلف من قائد لآخر، لكن ثمة قاسماً مشتركاً يبقى لأن هذه المصالح تنبع أساساً من أوضاع بنيوية لا تستطيع أي قيادة مهما اشتط بها الأمر أن تتجاهلها، بحيث يبقى القاسم المشترك أساسياً في القضايا الكبرى. وقد تحدث بايدن عن اختلافه مع ترامب في قضايا خارجية مهمة، لكنها في تقديري لا ترتبط بجوهر مصالح الولايات المتحدة باعتبارها حتى الآن القوة العظمى الأولى في العالم. وسوف أعتمد في محاولة إثبات هذا الافتراض على تصريحات أنتوني بلينكن، وزير خارجية بايدن، التي أدلى بها في جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ عشية تنصيب الرئيس للتصديق على تعيينه وزيراً للخارجية. وسبب اعتمادي على هذه التصريحات ما يُقال أحياناً من أن المرشح الرئاسي يدلي أحياناً بتصريحات من باب كسب التأييد، لكنه قد يتحول عنها بعد فوزه، أما في هذه الجلسة فنحن إزاء ما يشبه المساءلة أمام ممثلي السلطة التشريعية وما يُقال فيها ملزِم بالضرورة وأساس للمحاسبة اللاحقة على أي سلوك خارجي يتناقض معها.
والواقع أننا إذا استثنينا قضية المناخ وعودة بايدن إلى اتفاقية باريس، وعودته كذلك إلى عضوية منظمة الصحة العالمية (وإن اشترك مع ترامب في حاجتها للإصلاح)، وأسلوب التعامل مع الحلفاء الأوروبيين الذين كانت سياسة ترامب إزاءهم تتسم بالجفاء.. سوف نجد بعد ذلك أن القواسم المشتركة هي السائدة في القضايا الكبرى بالنسبة للسياسة الأميركية مع استثناءات سأشير إليها في نهاية المقال. فالموقف من الصين باعتبارها الخصم أو المنافس الأول للولايات المتحدة، مشترك بين ترامب وبايدن. وقد تختلف اللهجة لكن الجوهر واحد، والاتهامات مثلاً فيما يتعلق بعدم الشفافية بخصوص فيروس كورونا واحدة. ولا يستبعد هذا الموقف التعاون مع الصين، تماماً كما كان ترامب يحاول أن يفعل أحياناً. ومع أن ترامب كان يُتهم أحياناً بتهادنه مع روسيا لسبب أو لآخر، فإنه في التحليل الأخير كان يعتبرها خصماً، وهو بطبيعة الحال نفس موقف إدارة بايدن وإن على نحو أكثر وضوحاً وحسماً. وتُضاف كوريا الشمالية أيضاً إلى قائمة الخصوم، وهي نفس النتيجة التي انتهى إليها ترامب بعد فشل محاولاته التوصل إلى صفقة معها.
وإذا انتقلنا إلى قضية ثانية محورية في السياسة الأميركية، وهي إسرائيل، فسوف نجد أن تصريحات بلينكن كانت قاطعة فيما يتعلق بالالتزام الصارم بأمنها وبقرارات ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لها ونقل السفارة الأميركية إليها، والترحيب بالاتفاقات الإبراهيمية والوعد بالبناء عليها. وفي ما يتصل بحديث بلينكن عن «حل الدولتين» فلا ننسى أن المهم هو مضمون هذا الحل، وقد ذكر أنه لن يتحقق في المدى القريب، وكل ما قاله بهذا الخصوص أنه نصح الأطراف بعدم اتخاذ أي خطوات أحادية تعقِّد الموقف، وتحدَّث عن إجراءات لبناء الثقة.
ويبقى ما يُقال عن أن سياسة بايدن تجاه الملف النووي الإيراني وقضايا حقوق الإنسان مختلفة، وهذا صحيح من حيث المبدأ، لكن إمعان النظر في التفاصيل سوف يُظهر أن الفروق عند التطبيق قد تكون ضئيلة، وقد يكون هذا موضوعاً لمقال قادم. وعموماً فإن الحد الأدنى من الاتفاق مع افتراض هذا المقال، يجب ألا يقل عن أن ثمة قواسم مشتركة بين ترامب وبايدن في القضايا الأساسية للسياسة الخارجية.