تفرض العملة الرقمية الافتراضية - البتكوين - اليوم حضورها في ساحة المال والأعمال متفوقة على بقية العملات الرقمية التي أصبحت أنواعها بالمئات. ولا شك أن عوامل عديدة أسهمت في ارتفاع قيمتها، من بينها الهزات الاقتصادية العالمية الناتجة عن أسباب عديدة من بينها كوفيد - 19، وضخ المزيد من العملات الورقية بالرغم من انخفاض قيمتها السوقية وارتفاع التضخم، ووجود عدد محدد من البتكوين في سوق التداول، إذ لا يزيد عدد البتكوين عن 21 مليوناً، إلى جانب الخطوة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، والتي تتمثل في موافقة الاحتياطي الفيدرالي في أميركا وصناديق التمويل في أوروبا على التعامل بتلك العملة الافتراضية، بعد ما كانت بالنسبة إليها قبل عقد تقريباً غير قانونية، لتتجاوز قيمة البتكوين قبل أيام سقف الـ35 ألف دولار.
ولعل ما سبق هو بعض ما يمكن أن يضمن للبتكوين قيمته الحالية في السوق، والتي قد تنخفض كثيراً حسب العرض والطلب عليه، خصوصاً وأن عملة رقمية أخرى هي «الأثيريوم» تحتل المركز الثاني بعده، وقد تتصاعد قيمتها لاحقاً بسرعة غير متوقعة.
التقارير التي يقدمها خبراء المال والاقتصاد تؤكد أن قيمة البتكوين سوف تستمر في الارتفاع في حال استمرت الأزمة المالية، التي يواجهها الاقتصاد العالمي في ظل استمرار انتشار كوفيد - 19، فإن عجزت الدول عن ضخ المزيد من عملاتها التقليدية في السوق ولم يزد في المقابل عدد البتكوين في العالم؛ فإن قيمته على المدى الطويل سترتفع كثيراً، وهي النتيجة الحتمية التي لا مفر منها، لتصل قيمته ربما إلى 146 ألف دولار، وذلك حسب ما نشرته وكالة بلومبيرج، خصوصاً وأن تلك العملة تتنافس مع الذهب.
البتكوين ومثيلاته من العملات الرقمية لها بروتوكولاتها وقوانينها وتقنياتها الذكية وآليات تعدينها ومعاملاتها أيضاً، وكل ذلك يصب ضمن عمليات اقتصادية معقدة ومركبة لا أفتي أبداً بمعرفتها على الإطلاق، فهي تخصصٌ قبل كل شيء، ولا يدرك تفاصيلها إلا العارفين بها.
صحيح أن توقعات المتخصصين بهذا النوع من العملات قد لا تصحّ ولا تتحقق كلها، إلا أنهم قادرون على قراءة مستقبلها في ظل تحول العالم أجمع نحو حياة رقمية، ذلك أننا ندرك أن حياتنا كبشر ستتحول بنسبة كبيرة منها إلى الإنترنت، وبالتالي إلى شاشة صغيرة من خلالها ننجز معظم أعمالنا ومشاريعنا وتداولاتنا ولقاءاتنا.
من جهة أخرى ومهما كُتِب وسيُكتب عن إمكانية انهيار تلك العملات في القادم من أيام، ومهما تنبأ اقتصاديون بإمكانية فقدانها قيمتها كاملة لتنتهي كما بدأت عام 2008، أو حذروا من احتمالية فقدان مالكي البتكوين كل ما استثمروه فيها؛ إلا أن حرب المضاربة عليها مستمرة، والارتفاعات التي تشهدها مذهلة، و«قادة المال» الذين يوجهون سوقها يدركون كثيراً إلى أين هم ذاهبون بها، وربما سيفرضونها كبديل عن الأوراق النقدية التقليدية.
في مقابل هذا المشهد السوريالي لعملات افتراضية ما يزال عامة الناس يجهلون معظم وأهم المعلومات عنها؛ ثمة مشهد آخر هزلي وساخر، ذلك أن عدداً من الأشخاص يملكون ما قيمته حوالي 20% من بتكوين العالم أي 18.5 مليون وحدة بتكوين تصل قيمتها الفعلية إلى ما يقارب 140 مليار دولار، ولكنهم في حقيقة الأمر هم أثرياء افتراضياً أيضاً، ذلك أنهم غير قادرين على التصرف بما يملكون لأنهم نسوا كلمات سر حساباتهم.
العملات الافتراضية مثلها مثل العالم الافتراضي كونها جزءاً لا ينفصل عنه، ذاك العالم الذي تنعدم فيه الأخلاقيات بمفهومها الإنساني عندما يستخدم في أغراض مدمرة لحياة البشر، كلاهما سيل جارف يأخذ في طريقه كل ما هو ضعيف، فلا يبقى إلا القوي الثابت في أساساته والعظيم في بنيانه، فمن ذاك المستثمر «الصنديد» الحالم بالاستفادة من قفزات العملات الرقمية، لكنه في ذات الوقت المستعد (لفقدان كل شيء) كما تحذر هيئة الرقابة المالية في لندن؟