فيروس كورونا بدأ تحورات متعددة، أسرع انتشاراً وأشد فتكاً، في بريطانيا وجنوب أفريقيا وفي البرازيل واليابان، وقد انتشرت في أكثر من ستين بلداً، والمعلومات تتوالى حول تفاصيل كل تحورٍ والتصريحات المحذرة تأتي من بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا ومن الصحة العالمية ومن كل مصدرٍ تقريباً.
خروج اللقاحات في أقل من سنة لمكافحة الفيروس الأصلي، تعتبر إنجازاً كبيراً يوضح ما وصلت إليه البشرية من تقدمٍ علميٍ مذهلٍ، واحتشاد دول العالم ومنظماته ومؤسساته الخيرية لتحقيق هذا الإنجاز مؤشر على توجه صحيح لإعادة ترتيب أولويات العالم والعلم والسياسة والاقتصاد، والبشر يتعلمون من أخطائهم، ولولا هذا لما وصلت البشرية لهذا التقدم والتحضر.
فيروس كورونا ليس مزحة ولا لعبة، بل هو حقيقة مزعجة وخطرٌ محدقٌ، وفياته حول العالم بالملايين والمصابون به بعشرات الملايين، والدول التي كانت صارمة في مواجهته والوقاية منه منذ البداية تسجل أرقاماً مريحةً جداً، والدول التي تساهلت في المواجهة والوقاية تعاني اليوم الأمرّين، حتى ولو كانت دولاً متحضرةً ومتقدمةً، ويكفي استحضار ما يجري في بريطانيا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية من فتكٍ لهذا الفيروس الخطير بالبشر هناك.
ليس أيسر من أخذ اللقاحات المضادة لهذا الفيروس من السعودية والإمارات، بحيث يستطيع كل شخص يعيش في هاتين الدولتين أخذ اللقاح مجاناً مثله مثل غيره دون تمييز، مع تقديم كل الحوافز للمواطن والمقيم وحتى مخالف الإقامة للعلاج من الفيروس والوقاية منه باللقاحات، وصرف الأموال وتقديم الدعم المعنوي لكل المشاركين في الوقاية منه.
أتابع كغيري الصور ومقاطع الفيديو التي تأتي من السعودية والإمارات لأخذ اللقاحات ضد هذا الفيروس، وسلاسة العملية ومستوى التنظيم والرعاية المقدمة، وأتأمل كيف أن القيادات كانت هي المثال الذي يحتذيه الجميع.
أحد عناصر النجاح في هذه المواجهة هي القدرة على الحيوية والتفاعل والتغيير مع أي مستجدات إيجابية أم سلبية في سرعة اتخاذ القرار وتنفيذه، بحيث لا يتحول السلبي إلى كارثة لا تحمد عقباها، أو يورث الإيجابي تهاوناً قد يصعب استدراكه، رأى كاتب هذه السطور أقاربه يأخذون اللقاح بكل يسر وسهولة في السعودية، وهو يأخذ اللقاح بنفس اليسر وذات السهولة في الإمارات، بل وأكثر من هذا يمكن متابعة كيف ينتقل المشاهير والفنانون والأثرياء إلى هاتين الدولتين للحصول على اللقاح وبالمجان.
في انتظار دوري لأخذ اللقاح تأملت في جنسيات المنتظرين معي، فرأيتها متنوعةً متعددةً وتلقي اللقاح يتم بطريقة منظمةٍ وأرقامٍ إلكترونية توجه كل شخصٍ للغرفة المخصصة له وفي وقتٍ قصيرٍ، وأخذت أتأمل كيف أن بعض البلدان المتقدمة لا توفّر مثل هذه الخدمة الملحة لسكانها من مواطنين، فضلاً عن غيرهم، وكانت لحظة شعورٍ بالانتشاء الحضاري، لا بالغنى المادي فحسب، فبعض الدول المصنعة لهذه اللقاحات أغنى من دول الخليج مادياً، ولكنها الملكيات العظيمة ومكانة الإنسان فيها.
ليس الجانب الأخلاقي فقط هو ما يدفع باتجاه هذه السياسات الإنسانية الرحيمة فحسب، بل هو العقل والمنطق الخالص، فلو تم تحصين طبقةٍ دون أخرى، فإن هذا لن يمنع انتشار الفيروس ولن يوقف تحوّراته وتغييراته، ولذلك فالعدل هنا دافعه العقل مع الأخلاق.
الحيوية الحكومية في التعامل مع هذا الفيروس تجعل قرارات الحكومة تتقدم وتتأخر بحسب تغير المعطيات، فالسعودية تعتمد التعليم عن بُعد، والإمارات تعتمد نفس الطريقة في بعض المناطق وفي التفاصيل إغلاق وفتح وفق معايير شديد الحساسية تهدف لحماية الإنسان ورعايته.
أخيراً، يصح في المجال الصحي ما يصح في المجال التعليمي، ويبقى الإنسان هو مركز الاهتمام الأول على الدوام.