«هل مات»؟ هذا ما قلته وأنا جزعة بصوت مسموع وقد بدأت للتو أرتاح في مقعدي أمام شاشة السينما، خصوصا وأن المشهد جاء فجأة بعد مشاهد معدودة انفجرت أملا وسعادة، فقد حصل الشاب «جو غاردنر» -في فيلم (soul)- عازف البيانو للتو على وظيفة بدوام كامل كمعلم موسيقى في مدرسة، كما حصل في نفس اليوم على فرصة الانضمام إلى أحد أشهر الفرق الموسيقية المشهورة في نيويورك. بدأ وأنه يوم حظه، غير أنه أيضا يوم موته، فقد سقط في حفرة.
حسنا.. أنا هنا لا أفسد الفيلم، فكل شيء سيحدث بعد هذه السقطة، والتي على ما يبدو أننا جميعا نحتاجها لندرك المعنى الحقيقي لوجودنا على الأرض. الفيلم مصنف على أنه رسوم متحركة. مما جعل الجميع يعتقد أنه للأطفال، كما كان حال صالة السينما التي امتلأت بهم، غير أني متأكدة أنه كان عصيا على الكثيرين من الكبار الذين حضروه، وأنا منهم، ووددت لو تمكنت من إعادة بعض المشاهد لأستوعب الحوار والمقصود من كل كلمة تحاول أن تجيب على أسئلة كونية -وبطريقة فريدة من نوعها وعبر فيلم كرتون مصمم بشكل فني غاية في الإبهار- لماذا نحن على الأرض؟ وماذا على هذه الأرض يستحق أن يُعاش؟.
قد تبدو هذه الفكرة الرئيسية للفيلم، ولكن سيكون لأي مشاهد فكرته الرئيسة الخاصة التي ستثبت في ذهنه أكثر من غيرها، وهذا بطبيعة الحال يعود لاحتياجاته النفسية وتصوراته عن الموضوع قبل وأثناء مشاهدته. ولكن في كل الأحوال لا يمكن لأي متابع حقيقي أن يعبر عبورا عاديا على قدر الثقافة التي امتلأت فيها المشاهد، سواء من الناحية الفنية بوضوح خطوط أشهر الرسامين العالميين أمثال الأمريكي « الكسندر كالدر» والتي بدت خطوطه واضحة في الشخصيات التي ظهرت في المنطقة التي تأهل الأرواح قبل نزولها الأرض؛ وكذلك الفرنسي هنري ماتيس الذي ظهرت خطوطه أيضا في المنطقة التي كانت تتيه فيها الأرواح، وبابلو بيكاسو وخصوصا في شخصية المرشدة التي بدت تشبه إلى حد كبير أحد أشهر لوحاته. وغير ذلك من الناحية الثقافية التي بدت في الاعتداد بثقافة السود ومنجزهم في موسيقى الجاز، وكذلك بروز أسماء شخصيات عالمية أثرت في المنجز الإنساني. فيلم أشتغل عليه بعناية بالغة فظهرت أرواح لا حصر لها في كل تفصيلة فيه.. فيلم يستحق الكتابة عنه أكثر مما سبق.