مع تولي الرئيس جو بايدن مقاليد السلطة رسمياً في الولايات المتحدة الأميركية، سادت حالة من التفاؤل في ربوع العالم المختلفة بعودة إرادة التعاون الدولي في إدارة الأزمات ومواجهة التحديات الكونية، خاصة أن رؤية بايدن للسياسة الخارجية، تركز على التشاركية والتعددية في إدارة القضايا الدولية. وتجسدت هذه الرؤية بوضوح بعد ساعات فقط من أدائه لليمين الدستورية لتولي منصبه قبل أيام، وذلك من خلال سلسلة أوامر رئاسية، أبرزها عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، وعودتها إلى منظمة الصحة العالمية، ورفع الحظر على السفر من دول مسلمة إلى الولايات المتحدة، وذلك في تحول واضح عن نهج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي انسحب من هذه الاتفاقيات بدعوى أنها لا تحقق المصالح الأميركية.
ردود الأفعال الإيجابية والمرحبة بتولي جو بايدن مقاليد السلطة من كل زعماء ورؤساء العالم ومديري المنظمات الأممية والدولية، تشير بوضوح إلى أن العالم بصدد الدخول في عهد جديد يؤمن بديمقراطية الحوار حول القضايا التي ترتبط بأمنه وتنميته واستقراره، ويؤمن بأهمية التعاون والعمل الجماعي في إدارة الأزمات ومواجهة التحديات الكونية التي تلقي بظلالها على جميع دول العالم، المتقدمة والنامية والفقيرة، على حد سواء، على النحو الذي أظهرته جائحة «كوفيد-19»، التي لا تزال تحصد كل يوم الآلاف من أرواح البشر في جميع دول العالم بلا استثناء.
تزايد الرهان على إدارة «بايدن» في قيادة التعاون الدولي في مواجهة الأزمات والتحديات التي تواجه العالم تتأسس على مواقفه السابقة، وعلى تأكيداته في خطاب التنصيب على أهمية التعاون الدولي، وعلى توجهات العديد من أعضاء إدارته، والتي تؤكد في مجملها أن الولايات المتحدة لا يمكن بمفردها أن تعالج مشكلات العالم، وأنها ستعمل على تعزيز التعاون والشراكة مع دول العالم للتصدي لهذه المشكلات؛ وهذا فضلاً عن توجهاته الرامية إلى إعادة ترميم تحالفات أميركا المتصدعة، وإعادة صياغة علاقات الولايات المتحدة مع القوى الكبرى، وخاصة الصين والابتعاد بها عن دائرة التوتر والصراع.
العالم اليوم في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى نهج التعاون والتشاركية في مواجهة التحديات وإدارة الأزمات الكونية، ليس فقط لأن هذه الأزمات - كما أثبتت جائحة كورونا - تتسم بالتعقيد والتشابك ولا يمكن لأي دولة مهما كانت إمكانياتها وقدراتها التصدي لها بمفردها، وإنما أيضاً لأن خبرة السنوات القليلة الماضية كشفت بوضوح أن غياب إرادة التعاون الدولي في مواجهة هذه الأزمات كانت تكلفتها قاسية على جميع شعوب العالم على الصعد كافة؛ ومن هنا فإن الآمال المعقودة على بايدن وإدارته تبدو كبيرة للغاية ومبشرة بعهد جديد من التعاون الدولي.
*مركز تريندز للبحوث والاستشارات.