لا يحلو الحديث عن دولة الإمارات العربية المتحدة في عامها الخمسين دون التطرق لشخصية مؤسسها وبانيها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته.
وبالتأكيد أنه في مقالة قصيرة كهذه، لا يمكننا التطرق لجميع الجوانب التي قام بها الشيخ زايد في تأسيس الدولة الاتحادية وترسيخ أركانها، ولا يمكن إيفائه حقه في تقدير وتمجيد الجهود الجبارة التي قام بها في تأسيس الدولة وبناء المجتمع، فهي كثيرة لا تعد ولا تحصى.
لذلك فإن ما سنقوم به هو التركيز على الجوانب التحليلية لبناء الدولة والمجتمع والتمكن من إقامة أول دولة ذات نمط اتحادي في منطقة مكتظة بالصخب والضجيج والإرهاصات فشلت فيها جميع التجارب الوحدوية والاتحادية منذ نهاية خمسينيات القرن العشرين، بدءاً بالوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، مروراً بوحدة وادي النيل، فالاتحادات العربية الأخرى بشتى مسمياتها، وانتهاءً بالاتحاد المغاربي، باستثناء اتحاد الإمارات الذي بناه الشيخ زايد، والذي لا يزال صامداً وقوياً يشق طريقه بثبات من نجاح كبير نحو نجاحات أكثر كبراً.
لقد استطاع الشيخ زايد أن يسكن قلوب شعب دولة الإمارات بثبات منذ اللحظات الأولى التي تبوأ فيها المسؤولية كحاكم لإمارة أبوظبي في شهر أغسطس عام 1966، وذلك قبل قيام الدولة الاتحادية بعدة سنوات منذ أن بدأ يخاطبهم جميعاً كأبناء وطن واحد في الإمارات السبع.
وعندما أعلنت بريطانيا عن استراتيجيتها الجديدة التي أسمتها باستراتيجية الانسحاب من شرق السويس في عام 1968، وذلك بحلول عام 1971 بدأ، رحمه الله، بالتحرك السريع لإنشاء الدولة الاتحادية.
وفي ذلك الخضم تمكن آنذاك بشكل لافت من التجميع بين وجهات نظر حكام إمارات الخليج التسع، كما استطاع أن يجلس وسطهم كقائد قوي ورجل الساعة المنقذ لسفينة كانت تتطلامها الأمواج يمنه ويسرة، وتتلاقفها الأعاصير من كل حدب وصوب.
تربع الشيخ زايد، رحمه الله، في وسط نخبة الإمارات السبع، وجلس في مركزها كرجل قوي وقائد فذ متمكن من توجيه الأمور بحكمة وحنكة منقطعة النظير، وتبنيه أنماطاً متعددة من أساليب القيادة الرشيدة التي قادت في نهاية المطاف إلى قيام الدولة الاتحادية الحالية.
ولأن الأمور لم تكن سهلة في بداية الأمر، كانت تتطلب شخصية قيادية فذة كشخصية الشيخ زايد، فقد كان مطلوباً من القائد آنذاك أن يكون في وضع يتمكن من خلاله تسيير وتوجيه العديد من المسائل بطريقة مركزية، لأنها كانت معظمها متعلقة بالأمن والاستقرار بعد انسحاب الدولة البريطانية من كامل المنطقة، والأمن والاستقرار مرتبطان بوجود قائد قوي لديه الكثير من الإمكانيات الفردية والمعنوية والمادية.
وبرغم من أن الأمور المحيطة بالمنطقة لم تكن قد اتضحت بالشكل الكافي آنذاك، إلا أن الشيخ زايد، رحمه الله، كان أهلاً للمسؤولية، فأحاط نفسه بإخوانه أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، وبعدد من المستشارين المواطنين الأكفاء في الوقت نفسه استطاع أن يبرز بوضوح كقائد فذ ومعالج بارع للمعضلات، ومتخذ لأصوب القرارات.
وضمن سعيه الحثيث لإقامة الدولة الجديدة كان مدركاً لطبيعة مجتمع الإمارات، واحتياجات ومتطلبات أبناء البلاد، فكان بناؤه في تجميع القلوب إلى بعضها بعضاً قائماً على هذا الأساس المرتبط بالبناء الداخلي للاتحاد، واستكمال مقومات قيامه الأساسية لمواصلة المسيرة المباركة، وقد كانت نظرته، رحمه الله، إلى الاتحاد على أنه ضرورة وطنية لأنه مرتبط بتوفير الأمن والاستقرار والعيش الكريم للمواطنين أينما تواجدوا، فكان سعيه حثيثاً ودؤوباً وكانت تضحياته كبيرة وبلا حدود، سواء بالمال أو الجهد أو الوقت، لأنه كان يعلق على قيامه أمالاً واسعة، تضمن المستقبل لأرض الوطن ولشعبها الكريم، فكان أن تجسد ذلك كله في دولة عصرية شامخة شموخ الجبال، ويشار إليها بالبنان في كل بقعة من بقاع المعمورة، فرحمه الله زايد الخير رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وستبقى ذكراه العطرة في قلوب أبناء هذا الشعب الوفي جيلاً بعد جيل، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
 
 
780x779 
898.82KB