على الرغم من الإجراءات الأمنية الكثيفة التي شهدتها العاصمة الأميركية واشنطن لدى تنصيب الرئيس جو بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، والإجراءات الاحترازية والوقائية التي فرضتها جائحة كورونا.. تميز حفل التنصيب بالبساطة والإيجاز إلا أن شاعرة شابة، هي الأميركية الأفريقية أماندا غورمان ذات الاثنين والعشرين ربيعاً نجحت في خطف الأضواء من المناسبة بقصيدتها «التل الذي تسلقنا»، فرضت حضورها بجمال إلقائها، وروعة معاني كلماتها، وقد اعتبرت أصغر شاعرة تشارك في مناسبة كبيرة كهذه في التاريخ الأميركي.
كانت حروف قصيدتها تلامس جرحاً غائراً في ذاكرة ووجدان بني قومها ووجعاً أميركياً استيقظ للتو من كابوس، إثر واقعة اقتحام مبنى الكونجرس في السادس من الشهر الجاري. خرجت كلمات القصيدة قوية متألقة من فتاة كانت تعاني عندما كانت طفلة من التلعثم، وقد بدت قوية وشديدة القوة والثقة بذاتها تصف نفسها «فتاة سوداء نحيفة، تنحدر من عبيد، ربّتها أمٌّ عزباء، بإمكانها أن تحلم بأن تصبح رئيسة، لتجد نفسها تتلو قصيدة أمام رئيس».
وفي إلقاء جميل سلس حمل قوة الروح التي تؤمن بقيم أسست أميركا حاول البعض تقويضها، استهلت قصيدتها قائلة «عندما يأتي اليوم، نسأل أنفسنا أين يمكن أن نجد الضوء في هذا الظل الذي لا ينتهي؟». 
في ذلك النهار الأميركي الذي شهد تساقط ندف من ثلج باكراً قبل أن تستقر الشمس في كبد السماء، تركزت كل العيون على تلك الفتاة السمراء باهتمام وهي تبدع بكلماتها البسيطة العميقة، رغم أن مشاهير سبقوها للمنصة التي شهدت تنصيب الرئيس الذي كان مثلها يعاني صعوبات النطق عندما كان صغيراً.
لم يكن ذلك التل الذي اجتازته أميركا بعد اقتحام مبنى «الكابيتول هيل» هيناً، بل وضع أمة بأسرها على المحك، ولكنه سجل انتصاراً للمؤسسات والسلطة التشريعية وكرس معنى وجود دستور واحترامه والالتزام به. ولا عزاء لكل الذين أتحفونا بتحليلاتهم وخيالاتهم، وكأنما يتحدثون عن كوكب آخر.
كرس الحفل الأنيق المهيب مكانة الشعر والأدب في ثقافات وتاريخ الأمم والشعوب، وهو الناطق بلسانهم والمعبر عن همومهم وأحلامهم. وكان فرصة للتعرف عن كثب على الشعر الأميركي من خلال فتاة بسيطة تتلمس دروبها لتضع بصمتها بين كبار شعراء أميركا التي لا يعرف البعض منها غير صورة مغبشة بعيون أفلام ومسلسلات هوليوود والآلة الإعلامية الضخمة التي تحاصرنا.