مع كل منبر ثقافي عربي يفتح بابه يتجدد أمل، شرط أن يكون مستجيباً لحاجة أمتنا في اللحظة الراهنة إلى القيم الإيجابية، التي تؤدي بإصرار وثقة واقتدار إلى تحسن شروط الحياة، وتأخذ بأيدي أبناء الجيل الجديد إلى المعرفة والحرية والنهضة، لاسيما في ظل طفو العابر والتافه والسلبي والمستلب على السطح، مع طغيان وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، التي خطفت أبصار وآذان وأفهام الأبناء والأحفاد، ويسيطر عليها من يجيدون عرض القشور، حتى صاروا هم قادة الرأي الذين يشكلون وعي من يتابعونهم بالملايين.
ومع الأزمة التي تمر بها الثقافة العربية على مستوى النشر، حيث تأثر توزيع الكتب بفعل وباء كورونا وخرجت دور نشر صغيرة من المنافسة وأغلقت أبوابها، يصبح استمرار مجلة ثقافية وتعزز مسارها مسألة تستحق الالتفات، ويصبح من واجب كل مثقف أن يشد على أيدي القائمين عليها والواقفين خلفها، حتى يواصلوا السير.
من هنا، فإن احتفاء مجلة الشارقة بعددها الخمسين هو أمر يسعد كل كاتب وناقد ومفكر وباحث وقارئ في زمن تراجع الاهتمام بالثقافة في حياة العرب المعاصرين، وربما هي نزعة عالمية مع صعود الشعبوية في الشارع وساحة العالم الافتراضي على حد سواء. ويزيد مبرر الشعور بالامتنان حيال هذا الاستمرار، إن كنا أمام مجلة تعرض مادتها المهمة المتنوعة في يسر وسلاسة، لتكون ماثلة أمام أذهان أهل الثقافة وعموم القراء في آن، ساعية، بكل جهد مستطاع، أن تجد لنفسها مكاناً وسط المجلات الثقافية العربية الشهيرة مثل «الهلال» و«العربي» و«الفيصل» و«إبداع» و«الثقافة الجديدة»، وهو مسار لا بد من تشجعيه والحرص عليه من رعاة الثقافة ومنتجي المعرفة، حتى تبقى الجذوة مشتعلة، لاسيما أن هذه مجلات تقف في منطقة وسطى بين المجلات المتخصصة الرصينة مثل «فصول» و«عالم الفكر» و«المستقبل العربي» و«موروث» وبين المجلات الخفيفة التي تصدرها بعض المؤسسات الصحفية في العالم العربي.
ويزيد من أهمية هذه المجلة أنها تنبت في تربة خصبة بمعطيات الثقافة وشؤونها وشجونها، إذ أن اهتمام المكان الذي ظهرت فيه واستمرت، وتسمى باسمه، وهو إمارة الشارقة لا يستطيع أحد، منصفاً كان أو جائراً، أن ينكر أن انشغالها بالثقافة على اختلاف ألوانها وأنواعها ومساراتها ودروبها صار ظاهراً عياناً بياناً. وهذا الوضع يجعل القائمين على المجلة أمام تحديات لا تنتهي بغية التطوير والتجويد والإجادة، لاسيما أن هناك أمرين ضاغطين عليهم بلا هوادة، الأول هو الكفاح من أجل جعل جمهور الثقافة الراهن موجوداً حريصاً على المتابعة، والطموح المستمر في إضافة آخرين إليه كل يوم، عبر النسخ الورقية والموقع الإلكتروني معاً، وهي مهمة يتشاركون فيها مع القائمين على مختلف المجلات والمنابر الثقافية العربية. والثاني هو امتلاك القدرة على منافسة المجلات الثقافية الأخرى المهمة عربياً، لاسيما أن منها من سبق «مجلة الشارقة» بسنوات طويلة، وصارت بينه وبين القراء ألفة شديدة.
إن المجلات والدوريات، على اختلاف انشغالها وتخصصها، تلعب دوراً مهماً في متابعة كل جديد، متوسلة في هذا بمختلف ألوان الكتابة مثل المقالات وعروض الكتب والرؤى النقدية والملفات والحوارات والتغطيات الصحفية للندوات والمؤتمرات وورش العمل والفعاليات الثقافية، وهذه مسألة تلتفت إليها «الشارقة الثقافية» بالطبع، لكنها مطالبة بأن تعطيها اهتماماً أكثر مستقبلاً، في ظل ما يتدفق من أفكار ورؤى وتصورات جديدة على الثقافة والمعارف على مستوى العالم أجمع، وعليها أيضاً أن تجد، وغيرها من المجلات الثقافية العربية، باباً واسعاً عالياً إلى الجيل الجديد عبر الوسيلة التي ينجذب إليها، المهم أن تأتي القراءة، سواء عبر مطالعة المكتوب والمرسوم على الورق، أو من خلال «المالتي ميديا» القادرة على الجذب والإقناع في سهولة ويسر.