ها نحن إذاً أمام الفصل الأخير لمسرحية ترامب، بعد أن استخدم السلاح القاتل لشعبه والاقتحام الصادم للكونجرس، رمز الديمقراطية العريقة في العالم الغربي، وهو أغلى قيمة في الدخول إلى عالم الحريات، وإن كان نسبياً، إلا أن في أميركا النسبة الأعظم.
ماذا قالت أوروبا كلها، ممثلة بميركل التي تنحت مختارة عن زعامة الحزب الحاكم، بعد نجاح دام ثمانية عشرة عاماً في نهضة ألمانيا بيد فتاة «شرقية» من برلين؟
ميركل عبّرت عن ثقتها في تنصيب بايدن رئيساً. وقالت: «الولايات المتحدة الأميركية تفتح فصلاً جديداً لديمقراطيتها». أتصور بأن العالم كله يحضر هذا الحفل العالمي، ما عدا فرداً واحداً آثر اختيار الانزواء والانطواء في ركن العزلة بدل الانفتاح على العولمة.
يقول ترامب عبر حسابه بـ«تويتر» إنه لن يحضر حفل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب، فهو يخطط لحفل وداع في قاعدة «أندروز» المشتركة خارج واشنطن، حيث مقر الرئاسة، ويسافر بعد ذلك إلى بالم بيتش بولاية فلوريدا، لبدء فترة ما بعد الرئاسة في نادي مار الاجو الذي يملكه.
في هذه اللحظات ترامب لا يمثل صورة أميركا التي لديها أكثر من 130 قاعدة عسكرية حول العالم، وقرابة 250 ألف جندي في أكثر من سبعين دولة وعلى رأسها ألمانيا بنحو 30 ألف جندي.
منذ تأسيس أميركا هناك شد وجذب في السياسة الأميركية، فالحزب «الديمقراطي» مع الامتداد إلى الخارج الذي يسميه البعض «الفجوة» لملئها، من هنا قسمت أميركا العالم عسكرياً إلى خمس قيادات عسكرية رئيسة: القيادة الشمالية، ومسؤوليتها القارة الأميركية، وفيها الولايات المتحدة نفسها، والقيادة الجنوبية، ومسؤوليتها أميركا اللاتينية. والقيادة الأوروبية: ومسؤوليتها منطقة حلف الأطلنطي، بالتعاون مع القوى الأوروبية في هذا الحلف. وقيادة «الباسيفيك»: ومسؤوليتها جنوب شرق آسيا ومعها أستراليا. وأخيراً القيادة المركزية، ومسؤوليتها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أي اختصاصها في التقدير الأميركي ممتد من باكستان إلى المغرب. فالحزب «الجمهوري» غارق في نهج الانعزال، وهو ما قام به ترامب طوال فترة رئاسته، فقد أعاد معظم الجنود من مواقع القتال في أفغانستان وسوريا والعراق وألمانيا كذلك، ولم يكتف بذلك فقد طالب العالم العربي بدفع تعويضات تقدر بسبعة تريليونات دولار زعم ترامب بأن أميركا أنفقتها على متطلبات الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط طوال العقود الماضية، ومن الطرافة أنه طالب بقيمة مدرج الطائرات المرصوف في مطار بغداد.
الآن، تم تنصيب بايدن الذي يمثل الوجه الآخر لديمقراطية مغايرة عن  الحزب «الجمهوري»، سوف يعيد بايدن أميركا «اللب» إلى «الفجوة» التي تركها ترامب دون أن يغرس فيها من «لب» أميركا شيئاً.
أميركا بلد قائم على أساس صلب عندما يقوم كلٌ بدوره، حتى تقل الثغرات القاتلة لتحقيق الغايات، تقول «كامالا هاريس»، نائبة الرئيس الأميركي المنتخب، بـ«تويتر»، قبل يوم التنصيب: «سيكون 20 يناير 2021 فرصة جديدة للشفاء، وإعادة البناء وتعزيز ديمقراطيتنا التي نعتز بها جميعاً. وسيتطلب الوفاء بوعد هذه اللحظة أن يقوم كل منا بدوره».
والأهم في هذه اللحظة «الكورونية» قوة الاقتصاد ودوره الرئيس في النهوض، يقول «بريان ديس»، مدير المجلس الاقتصادي الوطني لجو بايدن، إن خطة الإنفاق لإدارة بايدن البالغة 1.9 تريليون دولار ستولد نوع الانتعاش القوي الذي نحتاجه.