إذا كان الإعلام شريكاً رئيسياً في مسيرة البناء والتنمية منذ نشأة دولة الإمارات العربية المتحدة، وواكب ما حققته من إنجازات نوعية في مختلف المجالات، وعبر عن أولويات المواطنين في مختلف المجالات التي تمس حياتهم اليومية والمعيشية، فإن المرحلة المقبلة، التي تستعد فيها الإمارات للانطلاق إلى مرحلة جديدة في مسيرتها التنموية للخمسين عاماً المقبلة، تتطلب إعلاماً مبدعاً ومؤثراً ونافذاً وفاعلاً، يكون قادراً على مواكبة الإنجازات وتعزيز صورة الإمارات باعتبارها نموذجاً ملهماً في البناء والتنمية وأيقونة لقصص النجاح وتحدي المستحيل والاستثمار في المستقبل.
لقد عبر سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، خلال كلمة سموه لفريق الإعلام الوطني في أول اجتماعاته قبل أيام عن أولويات الإعلام الوطني، وأهمية تطوير أدواته والارتقاء بدوره ليواكب تطلعات وطموحات الإمارات في المرحلة المقبلة، حينما أكد سموه «أن الإمارات في المنظور العالمي اليوم ليست مثل دولة الإمارات قبل الخمسة أو العشرة أعوام الماضية، نظير التغيرات التي طرأت ومواكبتها للتطورات المتسارعة وإنجازاتها الكبيرة في مختلف المجالات والقطاعات». وهذه حقيقة يلمسها الجميع، وتؤكدها الأرقام والإحصائيات الصادرة عن جهات وهيئات دولية متخصصة، والتي تضع الإمارات في مراتب متقدمة في مؤشرات التنافسية والتنمية البشرية، فضلاً عن إنجازاتها التي أبهرت العالم في العام الماضي 2020، سواء فيما يتعلق بإطلاقها «مسبار الأمل»، أو انضمامها إلى نادي الطاقة النووية السلمية، ونجاحها اللافت في إدارة أزمة جائحة «كوفيد - 19» على الرغم من التأثيرات السلبية لها على العالم، ولهذا كان من الطبيعي- كما قال سموه- «أن يتزايد الاهتمام الإعلامي بدولة الإمارات خلال هذا العام فقط إلى ثلاثة أضعاف»، وذلك في دلالة واضحة على الحضور الفاعل لتجربة الإمارات في الإعلام الدولي، وتقدير إنجازاتها غير المسبوقة، والتي أثبتت خلالها أنها تمتلك مقومات التطور والتفوق والريادة بمعايير عالمية. 
الإمارات التي تحتفل هذا العام باليوبيل الذهبي لتأسيسها، وتستعد خلاله أيضاً لرحلتها للخمسين عاماً المقبلة في حاجة إلى إعلام مبدع ومؤثر ونافذ وفاعل، يواكب طموحها المستقبلي، وينقل قصة نجاحها إلى الخارج ويعزز من قوتها الناعمة، إعلام يجسد خصوصيتها الفريدة، وما تمثله من تجربة وحدوية ناجحة في محيطيها الإقليمي والدولي، بما حققته من إنجازات نوعية، وما تسعى إلى إنجازه في السنوات المقبلة، كي تكون قصة الإمارات الناجحة حاضرة كمصدر إلهام للآخرين، يستفيدون من دروسها الثرية في بناء وتمكين الإنسان، واستدامة التنمية.
إذا كان الإعلام يمثل بحق مرآة النهضة والتقدم التي تعيشها الدول، والذي ترى من خلاله الشعوب قدرات دولها وإنجازاتها ومكتسباتها الحضارية، فإن الإعلام الوطني عليه مسؤولية مضاعفة في المستقبل، ليس فقط في مواكبة مسيرة الإنجازات التي تحققها الإمارات على الصعد كافة، وإنما أيضاً العمل على تعزيز قوتها الناعمة، بوصفها منارة الأمل وحاضنة الإبداع والابتكار ومظلة للتعايش وعاصمة العالم الإنسانية التي تمتد أياديها البيضاء إلى كل مكان في العالم، فضلاً عن إبراز دورها كقوة فاعلة في تعزيز أسس الأمن والاستقرار في محيطيها الإقليمي والدولي. 
إذا كان الإعلام الوطني قدم نموذجاً للمسؤولية والالتزام والموضوعية، سواء في تناول القضايا التي تهم أفراد المجتمع، أو في الدفاع عن مصالح الإمارات العليا، أو في التعبير عن مواقفها وثوابتها تجاه مجمل القضايا، فإنه مطالب الآن بتطوير أدواته واستراتيجياته ليواكب انطلاق الإمارات نحو المستقبل، وهذا يقتضي التحرك على عدة مسارات، أولها: تعزيز الانفتاح على الخارج، لنقل قصة نجاح الإمارات إلى آفاق أوسع، بحيث لا تقتصر فقط على النطاق المحلي أو العربي أو الإقليمي وإنما أيضاً الدولي. وثانيها: الاستثمار في بناء قاعدة من الكوادر الإعلامية المواطنة، والعمل على تنمية مهاراتها في التواصل مع الإعلام الدولي، وذلك لجعل الرأي العام الدولي أكثر تأييداً للقضايا الإماراتية ودفاعاً عن مصالحها الاستراتيجية. وثالثها: تطوير أدوات الإعلام، سواء فيما يتعلق بالتقنيات المستخدمة أو طبيعة المحتوى والمضمون، بحيث يكون أكثر مواكبة للتكنولوجيا الحديثة وأكثر قدرة على التعبير عن قضايا المجتمع المختلفة، وأولويات المواطنين، بحيث تصل بكل حيادية وموضوعية إلى صانعي القرار والجهات والمؤسسات المعنية. ورابعها: إعادة صياغة أولويات الإعلام الوطني لتواكب مرحلة الخمسين عاماً المقبلة، سواء فيما يتعلق بتطوير محتوى ومضمون الرسالة الإعلامية لتواكب عصر الأزمات الذي نعيشه، أو فيما يتعلق بإعادة النظر في أجندة إعلام المستقبل وصياغة أولوياته من جديد، وطبيعة القيم التي ينبغي العمل على نشرها والتركيز عليها في مختلف الأوقات. 
يمتلك الإعلام الوطني العديد من الإمكانيات والقدرات التي تعزز من تنافسيته على الصعيدين الإقليمي والدولي، فالمناطق الإعلامية الحرة التي تشهدها إمارات الدولة كافة، والمؤسسات الإعلامية العالمية المرموقة التي تحرص على إنشاء فروع لها في الإمارات، والجوائز التي تحمل اسم الإمارات في مجال الإعلام، كلها تنطوي على فرص عظيمة ينبغي استثمارها في الارتقاء بدور الإعلام والانتقال به إلى آفاق أرحب وأوسع، وبالشكل الذي يعبر عن طموح الإمارات نحو تعزيز الريادة والتفوق والتميز على الصعد كافة.
*إعلامي وكاتب إماراتي