مع مطلع العام الجديد 2021، تلقت أسواق المال الخليجية «البورصات» دفعات جديدة من العوامل الإيجابية التي ستجد لها انعكاسات مؤثرة على تداولات هذه الأسواق وأداء الشركات المدرجة، فقبل عام من الآن وبعد تفشي وباء «كوفيد-19» شهدت هذه الأسواق انخفاضات حادة، وبالأخص بعد تعثر مجموعة من الشركات وتراجع الأنشطة الاقتصادية وشح السيولة الناجم عن انخفاض أسعار النفط، وبالتالي تأثُّر أرباح الشركات المدرجة، وبالأخص البنوك التي عانت من تنامي حجم الديون السيئة والمشكوك في تحصيلها.
الوضع الحالي يشير بوضوح إلى أن مجمل هذه العوامل السلبية بدأت في التلاشي تدريجياً، فمع بدأ عمليات التطعيم ضد الوباء، عادت الأنشطة بصورة ملحوظة للقطاعات الاقتصادية المختلفة، خاصة أن دول مجلس التعاون الخليجي تقف في مقدمة دول العالم فيما يتعلق بنسبة آخذي اللقاح إلى عدد السكان، والتي تجاوزت 20% كما هو الحال في دولة الإمارات، وهي في نسبة تتزايد بصورة يومية مستمرة، مما يعني أن أكثر من نصف السكان سيتلقى اللقاح في الفصل الثاني من 2021.
ومع بداية العام أعلنت دول المجلس عن موازناتها الجديدة، والتي تبين بوضوح إصرار دول المجلس على تقديم المزيد من الدعم والتسهيلات للقطاعات الاقتصادية، كما تحافظ على مستويات جيدة من الإنفاق العام، والذي يعتبر أحد المحركات الأساسية للأنشطة الاقتصادية في هذه الدول، علماً بأن معدلات الإنفاق هذه مرشحة للارتفاع، وهو ما سيؤثر إيجابياً إلى أداء الشركات المدرجة، وذلك بفضل ارتفاع الطلب في الأسواق المحلية.
ومن جانب آخر ارتفعت أسعار النفط، وهي مرشحة لمزيد من الارتفاع وفق توقعات كافة المؤسسات المتخصصة في هذا الشأن، حيث أشارت منظمة «الأوبك» في آخر تقرير لها، الأسبوع الماضي، إلى أن الطلب على النفط سيرتفع إلى 94 مليون برميل يومياً في الربع الأول من العام الجاري، وهو قريب من حجم الطلب في فترة ما قبل جائحة كورونا البالغ 100 مليون برميل يومياً. وإذا ما أخذنا حجم التخفيض الذي تلتزم به مجموعة «أوبك+» والبالغ 7 ملايين برميل يومياً، بالإضافة إلى التخفيض الطوعي للسعودية البالغ مليون برميل يومياً، فقد يحدث بعض النقص في العرض، مما قد يؤدي لمزيد من الارتفاعات في الأسعار خلال الفترة المقبلة.
وفي نفس الوقت، فإن الانخفاضات الكبيرة في أسعار العديد من الشركات والبنوك خلال العام الماضي، تشكل إغراءات إضافية للمتعاملين في أسواق المال الخليجية. ففي ظل الأسعار الحالية، فإن العائد على العديد من الشركات المدرجة يتجاوز 4%، وهو أعلى بكثير من أسعار الفائدة المتدنية والقريبة من الصفر، كما أنه أصبح أعلى من العائد على العقار في بعض المدن الخليجية.
لقد أدى ذلك إلى ارتفاع في حجم التداولات من ناحيتي الكمية والقيمة وتفاوتت نسب ارتفاعات مؤشرات الأسواق في شهر يناير الجاري، مقارنةً بيناير من عام 2020، إذ تراوحت هذه الارتفاعات بين 5 و20%، وتصدّرها سوقي أبوظبي ودبي للأوراق المالية.
والحال أنه من المهم الإشارة إلى أن الفترة القادمة سوف تشهد بعض التذبذبات بفعل الإعلان عن نتائج الشركات والبنوك المدرجة في الأسواق الخليجية، إذ يتوقع أن يشهد بعضها تراجعات، وبالأخص البنوك، وذلك بسبب الديون الهالكة والمخصصات الكبيرة المتوقع أخذها لتعويض ذلك، وهو ما قد يؤدي إلى تذبذبات كبيرة في أسعار الأسهم خلال العام الجاري. إلا أن المؤشرات العامة تبدو إيجابية للمستثمرين متوسطي وبعيدي الآجل، أي بعيداً عن المضاربات التي ستشتد بدورها مستغلةً الإعلانات المتتالية عن أرباح الشركات والبنوك في نهاية كل فصل خلال عام 2021، حيث يتطلب ذلك من المستثمرين، وبالأخص الصغار منهم، عدم الجري وراء هذه المضاربات وتوجهات القطيع لتفادي الخسائر والتركيز على أسهم الشركات ذات الاستقرار المالي والأداء القوي والتوزيعات الجيدة.. حيث ستتوفر فرص استثمارية مجدية في أسواق المال الخليجية. 

*مستشار وخبير اقتصادي