في كرة القدم تكثر الاستثناءات، إلى درجة أنها تكسر كثيراً حكم القاعدة، وما رافق مشهد السوبر الإسباني الذي شذ منذ سنتين عن القاعدة المتداولة، بأن أصبح يلعب بنظام بطولة مصغرة من نصف نهائي ونهائي، يعتبر بالفعل استثناء، هو من أصل هذا المبهم الجميل الذي يلازم كرة القدم.
خلال أول نسخة لـ «السوبر» الإسباني المنقح، والذي استضافته المملكة العربية السعودية العام الماضي، عاد اللقب لريال مدريد بفوزه على فالنسيا في نصف النهائي وعلى جاره أتلتيكو مدريد في النهائي، من دون أن يكون الفريق الملكي المعلن سوبر إسبانيا، لا متوجاً بلقب «الليجا» ولا حتى فائزاً بكأس الملك.
وهذا الاستثناء صاحب أيضاً النسخة الثانية التي أبعدتها «جائحة كورونا» عن السعودية، ذلك أن نادي أتلتيك بلباو الذي لم يعتل لا صدارة الدوري الإسباني، ولا هو خاض نهائي كأس الملك أمام جاره ريال سوسيداد، سيجد نفسه متوجاً بالسوبر الثالث في تاريخه، وكان أجمل الاستثناءات التي تقاس عليها شجاعة وجسارة الأندية لتصبح قاعدة السحر الذي يصاحب مباريات كرة القدم، أن الفريق الباسكي أسقط بـ «ضربة معلم» الكبيرين ريال مدريد وبرشلونة، وقد فعل ذلك بمدرب حضر للتو للإشراف على عارضته الفنية.
الاستثناء الآخر هو أن المدرب الجديد مارسيلينو، لم تحل حداثة وصوله للإشراف على الجهاز الفني لأتلتيك بلباو، من دون أن يرتفع بـ «أسود الباسك» إلى القمة متوجاً إياهم بـ«سوبر إسبانيا».
جعلنا مارسيلينو في قمة الانبهار بما شاهدناه في مباراة نصف النهائي أمام ريال مدريد، فقد أبدع منظومة تكتيكية غاية في الإتقان، أفرغت لاعبي «الميرنجي» من محتواهم التكتيكي، وقادت لاعبيه إلى ربح كل المعارك التكتيكية التي حفل بها اللقاء، بأن حولهم إلى «إسفنجات» تمتص كل السيول.
وبينما ظن كثيرون أن المدرب مارسيلينو سيصاقر برشلونة بالأسلحة نفسها التي أسقط بها الريال، إذا به سيقدم على تحويرات تكتيكية هي من أصل أسلوب اللعب المختلف لبرشلونة، وكم كان مثيراً للإعجاب والدهشة أن يجفف بلباو كل منابع الإبداع في برشلونة التي تجري بأمر من ميسي وجريزمان وبيدري، ليتوصل أمراء الباسك إلى حسم أكثر موقعتين كرويتين ضراوة.
أما آخر الاستثناءات الجميلة، فهو ما علمناه منذ زمن بعيد، من أن بلباو لا يتهافت، كما غيره على نجوم كرة القدم حول العالم، إذ يكتفي بحسب تقليد راسخ باللاعبين الإسبان، بل إنه لا يميل في العادة إلا لمن جرت دماء باسكية في عروقهم.
هذا الذي اعتبره البعض انغلاقاً ومغالاة في «النزعة القومية»، لم يمنع بلباو من أن يتوج 8 مرات بـ «الليجا»، وأن يكون ثاني أكثر الأندية حصولاً على كأس الملك بعد برشلونة بهوية باسكية خالصة.
هل بعد هذا الاستثناء استثناء؟