الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإمارات.. تعليم يبني العقول

الإمارات.. تعليم يبني العقول
21 يناير 2021 00:08

محمود إسماعيل بدر

مع الاحتفاء بـ«اليوم العالمي للتعليم»، الذي يصادف، بحسب الأمم المتحدة في 24 يناير من كل عام، حققت الإمارات قفزات عريضة في منظومة التعليم، في ظل استراتيجية تقوم على ركائز «التعليم النّوعي بوابة للتنمية الشاملة، الاستثمار في الشباب واقتصاد المعرفة، مناهج معاصرة ترسخ ثوابت الهوية الوطنية وتقبّل ثقافة وحضارة الآخر وتنبذ خطاب الكراهية، والاهتمام بالتعليم التقني والفني». وفي عهد الجنرال ديغول، قال الكاتب والأديب والروائي ووزير الثقافة الفرنسي «أندريه مالرو» (1901 - 1976)، إن «التعليم النّوعي يعكس ثقافة وحضارة وهوية الأمة، وإن من أسباب تقدّم الدّول ونهوضها عائد بالدرجة الأولى إلى تنمية العقل، والفكر النّاقد، والذكاء البشري من خلال منظومة تعليمية نامية ومستدامة»، وأجمعت عديد الدراسات والتنظيرات التربوية على أن «سياسة التعليم الخلاّقة هي ركيزة أساسية في حماية الناشئة والشباب من الفكر المتطرف، لينمو تبعاً لذلك جيل كامل لمجتمع المعرفة، بفكر تنويري، قادر على مواكبة العصر وحلّ المشكلات، ويمثل رافعة للتقنية والاختراع والتجديد». 

بناءً على وعي وتوجيهات القيادة الحكيمة، فقد تحققت في الإمارات إنجازات ومبادرات ومشاريع مهمة في مجالات تكنولوجيا التعليم، وتحفيز الطلاب على القراءة، انعكست آثارها على المستويين الوطني والإقليمي وحتى العالمي، ومن ذلك المبادرة التي قادها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتخصيص 3 ملايين درهم لإتاحة الفرصة أمام طلبة المدارس والجامعات لاقتناء الكتب ومصادر المعرفة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب؛ بهدف إعداد جيل طموح ومبتكر، يملك زمام المبادرة، ويساعد في تحقيق أعلى درجات التقدّم والتّطور، ويقول سموه في هذا السياق: «رهان دولة الإمارات سيكون في السنوات المقبلة، الاستثمار في التعليم، لأنه القاعدة الصلبة للانطلاق في مرحلة ما بعد النفط».. ويقول سموه أيضاً: «مهنة التعليم ارتبطت بالمنزلة الرفيعة والمكانة الاستثنائية في نفوسنا، واستمدت أهميتها ومكانتها وقوتها من رسالتها النبيلة التي اتخذت من القيم التربوية والمبادئ السامية والعلم والمعرفة منهجية تؤطر لها، وتجعل من المعلم شريكاً أساسياً في تنمية العقول، وتهذيب الأخلاق، وبناء وتنمية المجتمعات»، مستذكرين في هذا المقام إطلاق جامعة خليفة مسابقة محمد بن زايد العالمية للروبوت، تحت رعاية سموه، وهي جائزة عالمية مرموقة، ويبلغ مجموع جوائزها 5 ملايين دولار، وتشهد مشاركات عالمية طموحة، فسموه يؤكد ربط «التعليم والبحث والمعرفة مع الاقتصاد».

حلول مبتكرة ومستدامة
منذ تأسيسها بمبادرة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» في عام 1976 في مدينة العين، شكّلت «جامعة الإمارات العربية المتحدة»، في منظومة التعليم العالي، مشروعاً ثقافياً نهضوياً بامتياز، لا سيما في المجال البحثي التطبيقي، حيث تهدف أبحاثها إلى إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة للعديد من التحديات، حيث تولي الدولة اهتماماً استراتيجياً لسبعة مجالات أساسية هي: الطاقة المتجددة، والمواصلات، والتعليم، والصحة، والتقنيات، ومصادر المياه، واكتشاف الفضاء. 
ويساهم التركيز على الأبحاث العلمية في هذه المجالات في تحقيق رؤية الإمارات 2021، التي تتخذ من الابتكار والبحث والعلوم والتّقنيات أساساً لبناء اقتصاد تنافسي منتج قائم على المعرفة، وذلك تحت مظلة رؤية تسعى لتحقيق مجموعة من القيم منها، احترام التنوع الثقافي والتراثي، والفعالية في صنع القرارات، والسؤال الذي يطرح نفسه في السياق: لماذا تعتبر جامعات الإمارات من أفضل الجامعات العربية؟ والجواب يعود إلى ما تتمتع به من جودة التعليم، حيث هناك العديد من الجامعات العالمية افتتحت فروعاً لها في الدولة، مثل جامعة هيريوت وات دبي، وجامعة ولونغونغ، نيويورك أبوظبي، الجامعة الأميركية، السوربون، وغيرها، بهدف فتح آفاق ومجالات التفوق أمام المتعلمين، وضرورة تنمية الموارد البشرية من خلال التعليم المتطور والهادف، وذلك ما نعتبره تحت مظلة سياسة واستراتيجية الإمارات في مجال التعليم النوعي، حيث تشكّل فيها منظومة الثقافة «أمن وقائي» في الدّاخل والخارج، انطلاقاً من فهمها الأمثل لحوار الثقافات والحضارات والأديان، وتبنّي الانفتاح والتسامح نهجاً راسخاً، ما يجعلها في مرمى غير بعيد في أن تتربع على المركز الأول في مؤشر الثقافة الفاعلة والممتدة والمستدامة عالمياً.

تمكين المرأة
في سياق متصل وعلى سبيل المثال، ففي تقرير مؤشر الابتكار العالمي الصادر عن معهد «إنسياد» بفرنسا، حافظت الإمارات على موقعها، محتلة المركز الأول عربياً، كما انتزعت المركز الأول عالمياً في 3 مؤشرات، من بينها نسبة الطلاب الأجانب الملتحقين بالتعليم العالي في الدولة، محققة تقدماً مهماً في عدد من المحاور، مثل البحوث والمخرجات الإبداعية، علماً بأن مؤشر الابتكار العالمي، يندرج تحت محور بناء اقتصاد معرفي تنافسي في الإمارات، ضمن الأجندة الوطنية، ولعل ذلك يقودنا بالضرورة للحديث عن اهتمام القيادة ممثلة بمؤسساتها بتعليم المرأة الإماراتية، سواء في المدارس أو الجامعات والمعاهد العليا، حتى أصبح مألوفاً أن ترى فتاة الإمارات نائبة في البرلمان، ووزيرة وطبيبة وأستاذة جامعية وسيدة أعمال، وفي مختلف المهن، مما منح فرصة وفضاءات جديدة للجيل الجديد من الفتيات والنساء كي يشاركن في نهضة وتقدم البلاد، حتى أصبحت شريكاً حيوياً وفاعلاً أساسياً في مسيرة التنمية المستدامة التي تشهدها الدولة، متسلحة بالعلم والمعرفة والثقافة والإرادة الصلبة والإصرار على الإنجاز، وعند الحديث عن تمكين المرأة في الإمارات، يبرز بشكل تلقائي الدور الحيوي الذي تقوم به سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، حيث إن سموها صاحبة الأيادي البيضاء والفضل الكبير، فيما حققته نساء الإمارات من نجاحات وإنجازات، في ظل رؤية سموها الخاصة بالأهمية الحاسمة لتمكين المرأة وتثقيفها وتعليمها، حتى تقوم بدورها المأمول والمطلوب والمشاركة في تنمية مجتمعها. 

ثقافة الإبداع 
لم تحقق دولة الإمارات كل هذه القفزات الناجحة والإنجازات بعصا سحرية، بل بوعي قيادي مستشرف وخطة استراتيجية مدروسة بدأتها من الصفر مع قيام دولة الاتحاد عام 1971، أهم تجربة وحدوية راسخة على مستوى العالم العربي، سواء على مستوى تأسيس البنية التحتية لتحقيق نظام تعليمي متطور مستدام، أو على مستوى الشراكة التربوية مع المؤسسات ذات الصلة، فراحت وبجهد دؤوب تبني المدرس والجامعات والمتاحف وجمعيات النفع العام، وتؤسس الهيئات والوزارات، وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم، التي عملت على توفير منظومة تعليم ذكية ومنصات رقمية عالية الجودة، بجانب التطوير المستمر في المناهج الدراسية بمعايير تعلم وطنية، فضلاً عن توفير مسارات تعليمية متنوعة تدعم قدرات ومهارات الطلبة، وتسهم في تحقيق استراتيجية الدولة لتشجيع ثقافة الإبداع والابتكار من خلال إكساب الطلبة مهارات القرن الحادي والعشرين، وتحفيزهم على التحلي بالأفكار الجديدة التي تتصل بالواقع، وتستشرف المستقبل للمساهمة في إيجاد الحلول الجذرية المستدامة للقضايا الحيوية، وتحسين القدرة التنافسية، ودعم الحكومة الذكية، سعياً لمواكبة التطورات العالمية، هذا إلى جانب دور الملحقيات الثقافية في الخارج، وكليات التقنية العليا (1988)، والتي تعد أكبر مؤسسة للتعليم العالي في الدولة، حيث تضم أكثر من 25 ألف طالب وطالبة، موزعين على 17 كلية للطلاب والطالبات في أبوظبي، وبقية إمارات الدولة، وتقدم مجموعة واسعة من البرامج الدراسية التخصصية المصممة لتلبية متطلبات سوق العمل، ويتم التدريس فيها باللغة الإنجليزية على مختلف المستويات. 

استشراف المستقبل
ربما يكون أجمل ما في رحلة مسيرة التعليم في الإمارات، أنها لم تختزل العملية التعليمية بمقعد دراسي ومعلّم وطالب ومناهج ومقررات دراسية، إلى حالة متجددة من المثاقفة، ويلزم هنا العودة إلى ما نشرته صحيفة «سيوورلد» الأميركية، لدراسة حديثة أجريت ما بين يناير وأبريل 2020، وتصدرت الإمارات فيها المركز 20 عالمياً، والأول عربياً، وحصدت 64 درجة في جودة التعليم، و53 درجة في فرصة التعليم، ويلزم هنا العودة إلى تصريح أحمد بالهول الفلاسي، وزير دولة لريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأكد فيه أن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات حريصة على تطوير ملف التعليم العالي، وتأهيل الكوادر الوطنية وفق رؤية استشرافية تواكب المتغيرات التي يمر بها العالم، وتتناسب مع أرقى المعايير العالمية التي تسهم في تمكين طلبة الإمارات من تحقيق التميز والريادة في جميع المجالات وعلى جميع المستويات. ولعل هذا يعيدنا إلى إسهامات الإمارات في دعم قطاع التعليم عالمياً، على نحو مشاركتها في النسخة الـ 20، من معرض الصين للتعليم 2019، من خلال «منصة تعلّم في الإمارات»، مؤكدة أنها في إطار هذه المشاركة توفّر تجربة ثقافية لا مثيل لها من التعايش السّلمي بوجود أكثر من 200 جنسية ذات ثقافات وديانات مختلفة، ومن ذلك تأسيس مركز زايد للغة العربية في الصين (1994)، كما دعمها لقطاع التعليم في اليمن، عبر ذراعها «الهلال الأحمر» الإماراتي، بتأهيل 346 مدرسة، ساعدت في عودة أكثر من 5 آلاف طالب وطالبة إلى مدارسهم، وعلى هذا النحو كثير من الإنجازات قدمتها الإمارات لصون مكانة التعليم، من أجل تحقيق الازدهار والسلام للناس والكوكب. 

التعليم عن بُعد»
بالنظر إلى الرّاهن نجد أن قطاع التعليم كان الأكثر تأثراً بجائحة «كورونا»، وقد نجحت وزارة التربية والتعليم الإماراتية في مواجهة هذا التحدي باعتماد «التعليم عن بُعد» أو «التعلّم الرّقمي» وتوفير جملة تطبيقات، في حين جسّد نجاح العام الدراسي 2019 - 2020 في الدولة أهمية رؤيتها الاستشرافية للمستقبل، التي قادت إلى توفير بنية تحتية مثالية للتعلم الذكي، ارتكزت عليها المدارس والجامعات لتطبيق وتجاوز الأزمة.

سلام وتنمية ومساواة
قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان يوم 24 يناير، يوماً عالمياً للتعليم، احتفاء بالدور الذي يضطلع به التعليم في تحقيق السلام والتنمية، ودون ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع، لن تنجح البلدان في تحقيق المساواة بين الجنسين، وكسر دائرة الفقر التي من شأنها تخلّف ملايين الأطفال والشباب والكبار عن الركْب.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©