تواجه الهند واحدةً من أصعب التحديات في العالم وهو تدشين برنامج لتوزيع لقاح «كوفيد-19» على 1.3 مليار نسمة. وكي تنجح الهند في المهمة، يتعين عليها القيام بالأمر على النحو الصحيح في بلد يخطئ بعض الناس فيه كثيراً. وسيكون من الحكمة أن تسمح الحكومة بدخول القطاع الخاص في هذا الجهد الضخم، وفي وقت قريب. وانطلق توزيع اللقاح بالفعل ببداية ضعيفة. فقد أعلنت الحكومة، الأسبوع الماضي، موافقة استثنائية للقاحين. الأول هو ثمرة الجهد المشترك من شركة أسترازينيكا وجامعة أوكسفورد ويجري إنتاجه في معهد سيرم الهندي، أكبر منتِج للقاحات في العالم. والثاني طورته شركة بهارات بيوتيك انترناشيونال الهندية. 
وطرحت وسائل الإعلام وشخصيات معارضة أسئلة لها ما يسوغها عن سبب الموافقة على لقاح شركة بهارات بيوتيك، في الوقت الذي تمت فيه الموافقة على لقاح أسترازينيكا، بينما لم يتم بعد الانتهاء من تجارب المرحلة الثالثة لعقار بهارات بيوتيك ونشر نتائجها. ولا يوجد دليل على وجود اعتبارات سياسية أثّرت على قرارات جهات الرقابة على العقاقير الهندية. لكن التوقيت يثير التساؤل، مع الأخذ في الاعتبار أن الموافقة تأتي بعد أن بدأ مشرعو الجناح اليميني مهاجمة الجهات التنظيمية لتفضيلها اللقاحات «الأجنبية». وبدأت الحكومة نفسها تظهر ميلاً واضحاً نحو الحمائية. فلو كانت الموافقة قد جاءت متعجلة نوعاً ما، فعملية التوزيع ليست كذلك، لسوء الحظ. فقد استكمل مديرو الصحة الهندية في الأيام القليلة الماضية تدريباً واسع النطاق في أربع ولايات في عملية كان يجب أن تنتهي قبل أسابيع. 
ورغم إنتاج معهد سيرم بالفعل 50 مليون جرعة من عقار أسترازينيكا، أقر «أدار بوناوالا»، الرئيس التنفيذي للشركة، في مقابلة نُشرت الأسبوع الماضي، أنه لم يحصل بعد على أمر شراء من الحكومة ولم يتلق خطاباً يعلن نوايا شراء اللقاح. ويحتاج بوناوالا إلى شحن ال50 مليون جرعة تلك سريعاً، حتى يستطيع إنتاج وتخزين المزيد من الجرعات. ولم تسمح الحكومة لمعهد سيرم بتصدير أي من الجرعات المتوافرة إلى الدول الفقيرة الأخرى، رغم وعد رئيس الوزراء ناريندرا مودي بنفسه في الأمم المتحدة بأن إنتاج الهند سيمثل حلاً للجائحة في الدول النامية. ومن بين مليارات الجرعات التي يعتزم معهد سيرم إنتاجها، يتوقع ذهاب النصف في نهاية المطاف إلى دول نامية أخرى. 
إن هذا يمثل التأخير النمطي في البيروقراطية الهندية والافتقار إلى المحاسبة فيها. والحقيقة الصعبة في الهند هي أن مشكلاتها نادراً ما تدور حول الإنتاج وغالباً ما تتمركز حول التوزيع. فنحن ننتج أكثر مما يكفي من الغذاء، لكن لا يمكننا توزيعه على سكان البلاد، ولذا لدينا ثلث أطفال العالم الذين يعانون من سوء التغذية. وبينما ننتج أكثر من كفايتنا من الكهرباء، يؤدي نظام التوزيع غير الكفؤ وغير المربِح إلى معاناة الأنشطة الاقتصادية والمنازل من انقطاع متكرر للكهرباء. والحكومة لا يمكنها تحمل كلفة حدوث شيء مشابه في حالة «كوفيد-19» الذي قتل بالفعل 150 ألف هندي. وامتلاك قاعدة بحثية وتصنيعية هائلة لا تجدي نفعاً كثيراً، إذا تأخرت البيروقراطية وعرقلت برامج اللقاحات. والتأخر في توزيع اللقاح سيكلفنا المزيد من الأرواح، كما تعلمنا أزمة المملكة المتحدة التي تواجه ضغوطاً لتوصيل اللقاح لسكانها قبل انتشار سلالة أكثر عدوى من النسخة الأولى للفيروس. 
والقطاع الخاص سيجدي نفعاً بالفعل في الهند. ومعهد سيرم يعتزم بيع اللقاح في السوق المفتوحة، وللحكومة أيضاً، وبأسعار معقولة للغاية، تبلغ 14 دولاراً للجرعة و2.7 دولار للجرعة المباعة للحكومة. ومبيعات القطاع الخاص من اللقاح ستعالج مشكلات كثيرة. فهي ستسمح لمقدمي الرعاية الصحية في القطاع الخاص بتوزيع جرعات تخفف العبء على نظام الرعاية الصحية الحكومي الذي يعاني من قصور. فالهنود يميلون عادة إلى اللجوء إلى القطاع الخاص لأن لديه فاعلية أفضل في عملية التوزيع. ودون مشاركة من القطاع الخاص في توزيع اللقاح، سيكون من المستحيل التوزيع بسرعة. وعلاوة على هذا، فالتوافر السهل للقاح بأسعار معقولة يجب أن يقلص فرصة ظهور أسواق سوداء تعرقل برنامج الحكومة، الذي يستهدف الفئات الأكثر عرضةً للخطر والأكثر تعرضاً لاحتمال الإصابة بالمرض. 
وأخيراً، تجعل عملية التوزيع عبر القطاع الخاص الدولةَ الهندية قابلة للمحاسبة. ويصح للناخبين طرح أسئلة بشأن مدى توزيع الحكومة للقاحات التي تحصل عليها بالكفاءة نفسها التي يقوم بها القطاع الخاص. والحقيقة هي أن الهنود معتادون على أن يتقدم القطاع الخاص لسد الفجوات التي تتركها الحكومة. لكن الشركات لا يمكنها إقامة شبكاتها لتوزيع اللقاح حتى تسمح الحكومة لها بذلك. وفي مواجهة أكبر تحد أمامها منذ عقود، كان من المستحسن أن تبدأ الدولة الهندية في التطلع إلى القطاع الخاص ليس فقط كشريك وكفى، بل كشريك أساسي.

*خبير اقتصادي وكاتب هندي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»