هنا عند لسان بحري أشبه بشريط الذهب، يرتع القرم الشرقي كغزالة صحراوية أينعت عيناها ببريق البهجة، مترفة بخصال الطبيعة الغناء، باذخة بسجايا العفوية، غنية بمعالم النبض الحي، ثرية بأحلام الطيور، وارفة الأجنحة، سابحة على ضفاف ندية، بلمعة قطرات الندى، شجية بشاعرية المهج الأنيقة، صافية بصفاء عيون الحمامات البرية، مغردة بحفيف الأخضر الرهيف.
عند خاصرة فنادق أنانتارا، يبدو مرسى القرم الشرقي مثل قصيدة بمذاق بوح تاغور، أو أليوت في لحظات تجلٍّ مفعمة بالشجون منعمة بحس إبداعي ترعاه قريحة فذة، فريدة، واستثنائية، تعج بملذات البوح، ونشوة التعاطي مع الحياة في مولدها الحديث، تهديك هذه المراسي، روعة المشهد، ونجاعة المعطى، ونباهة المنجز الحضاري الذي تتمتع به العاصمة، وهي المركز لملكوت هذا الفلك الوجودي البديع، والمنيع، والذي لا يشبهها إلا هي في مشاريعها العملاقة، ومكتسباتها العريقة مما يجعل الزائر وكأنه يحلق في سماء سرمدية، وتطير به أجنحة أسطورية تحمله إلى حيث يبلغ العقل مبلغ الدهشة، ويصير القلب مثل فراشة ترفرف بأجنحة اللون البهيج، ووردة تسمو بالعطر الأريج.
هنا تجد عشاق التجديف يشقون قماشة الماء بزهو وفرح، تحيطهم غابات القرم بأذرع الحنان والحب، وتمنحهم الدفء، تجد العائلات، ومحبي المغامرات، ينسلون في الماء كما هي الزعانف، في سلاسة ويسر متمتعين برونق الطبيعة الخلاب، منجذبين بحب إلى سطح الماء وكأنهم أعشاب بحرية في طور التكوين، كأنهم الأصداف اليافعة عند الأعماق.
هنا تجد المكان وكأنه بداية الخلق في عفويته، ونقاء سريرته، هناك تجد الناس أجمعين بلغات مختلفة، ووجوه متنوعة كأنهم النسيج الواحد، كأنهم الثقافة التي خرجت من شرنقة الفراشة الواحدة.
القرم الشرقي.. يشرق في كل صباح بعيون لها بريق الأناقة، وأشواق الرشاقة، وفرح اللباقة، هنا تجد الأحلام تنمو كأنها زهرات اللوتس، مشرعة على الوجود نوافذ النشوء والارتقاء، هنا تجد عالماً يسرج خيول اليقظة، ويضع أساور الفرح في معصم الوجود، وفي أسماع الطير ينفخ روح الأبدية.
القرم الشرقي.. وهج في مهج، ومهج تترجرج كأنها بيضة الخلق الأول، هنا في هذا المكان البحري، تتنامى وجنات، وابتسامات، وضحكات، ولواحظ لها سحر الأمل وسعة الطموحات، وعظمة الأمنيات.